حصيلة الاحتجاجات.. ظاهرة صحية أم ناقوس خطر؟
الدار / رشيد عفيف
الرقم الذي أعلنه أحمد شوقي بنيوب عن حجم وإحصاء الاحتجاجات والتظاهرات التي عرفها المغرب ما بين 2018 و2019 كبير وقد يبعث على القلق والتوجس. لقد عرفت هذه الفترة تنظيم 18 ألف و800 مظاهرة، بمشاركة أزيد من 2.7 مليون مواطن، وفقا للمندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان. من زاوية معينة لقراءة هذا الرقم قد يرى بعض المتابعين في هذا الكم الهائل من الاحتجاجات والمحتجين ظاهرة صحية بالنظر إلى أنها تعبير عن مستوى معين من أجواء الحرية التي تسمح للمواطنين بالتعبير عن انشغالاتهم وعرض مطالبهم على السلطات المعنية. لكن من زاوية أخرى يفيد هذا التنامي في أرقام الاحتجاجات أن هناك ناقوس خطر يدق منذ فترة ليست بالقصيرة.
ولا يمكن قراءة هذه الأرقام والمحصلة الاحتجاجية عموما بالمغرب خارج السياق التاريخي الذي أنتجها. فالمغرب لا يزال يعيش وفقا لهذه الوتيرة المرتفعة بعض ارتدادات الربيع العربي التي تركت جل الحكومات العربية بما فيها المغرب، في مواجهة سلوك جديد على السلطات كان يمثل في السابق مجرد حالة استثنائية عابرة. على سبيل المثال كانت المحطات الاحتجاجية الكبرى في تاريخ المغرب معدودة على رؤوس الأصابع ومسجلة في صفحات التاريخ بالأحداث الدموية التي رافقتها، سواء في 1965 أو في 1981 أو في غيرها من الانتفاضات التي عرفها المغرب.
بالنسبة للمندوب الوزاري في حقوق الإنسان فإن الزخم الاحتجاجي المسجل في الفترة المذكورة يعكس حيوية المجتمع المدني المغربي، وفتح الدولة لمجال التظاهر السلمي المؤطر بالقوانين الجاري بها العمل. كما يؤكد في نظره أن المغرب اعتمد مقاربة قائمة على التوازن بين الحفاظ على النظام العام واحترام حقوق الإنسان. وفي هذا الإطار لا يتردد المسؤول الحقوقي في الدعوة إلى ضرورة إشراك المؤسسة الأمنية في التنسيق المؤسسي والآليات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. هذا جانب متفائل من رؤية القضية الاحتجاجية باعتبارها ظاهرة صحية تعكس التوجه الديمقراطي للمغرب ومساحة الحريات التي أضحى يتيحها للمواطنين.
لكن الوجه الآخر لهذه القراءة هو أن هذه الاحتجاجات تعكس مستوى من الغليان الاجتماعي في شرائح وفئات مهنية واجتماعية مختلفة. في العام الماضي على سبيل المثال تنامت الاحتجاجات الفئوية بشكل مرتفع لتشمل الأساتذة المتعاقدين والطلبة وغيرهم من الشرائح المهنية الأخرى. ومن المؤكد أن الاحتجاجات الاجتماعية بدأت في الارتفاع منذ بداية حكومة العدالة والتنمية الأولى التي كان يقودها عبد الإله بنكيران. ورغم كل المبادرات الاجتماعية التي قامت بها الحكومة الحالية إلا أن الفعل الاحتجاجي لا يزال هاجسا حاضرا يقض مضجع الحكومة. ومن المتقوع أن لا تساهم الزيادات في الأجور التي أقرتها في نهاية الموسم السياسي في محاصرة الظاهرة الاحتجاجية الفئوية على الخصوص، فالأساتذة المتعاقدون على سبيل المثال يتحينون الفرصة لإطلاق مسلسل جديد من الإضرابات.
لكن أخطر تحول عرفته الظاهرة الاحتجاجية في المغرب وهي التي لم تشملها إحصائيات المندوب الوزاري في حقوق الإنسان هي الأنماط الجديدة التي خرجت من الميادين والساحات والفضاءات المهنية من خلال اللجوء إلى مساحات بديلة. فملاعب كرة القدم، مثلا أصبحت فضاء مفضلا لشرائح الشباب وروابط الأندية للتعبير عن صوت شريحة كانت في السابق لا تجد منفذا للتعبير عن نفسها. ولا يستبعد الكثير من المراقبين أن تتطور الظاهرة الاحتجاجية داخل ملاعب الكرة بعد أن انضافت احتجاجات جمهور اتحاد طنجة لاحتجاجات جمهور نادي الرجاء البيضاوي، وبدأت المنافسة بين "الأولتراس" في صياغة أناشيد مشحونة بالمطالب والتظلمات على شاكلة "فبلادي ظلموني".
وإذا انضافت ظاهرة "المقاطعة" إلى ما تعبر عنه الملاعب الرياضية والإضرابات والاحتجاجات الفئوية، والنساء السلاليات وغيرهن من الفئات الأخرى فإن هذا يضع الحكومة القادمة أمام الكثير من التحديات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي بالأساس بالإضافة إلى الإكراهات الأمنية التي ستطرح على الأجهزة الساهرة على النظام العام.