صغار وكبار يتطوعون لتنظيف ساحات بيروت صباح كل يوم غداة التظاهرات
تشارك لين أبي خليل في الحراك الشعبي غير المسبوق الذي يجتاح لبنان ولكن على طريقتها الخاصة. فبعدما منعتها عائلتها من التظاهر خوفاً عليها، قررت التطوع كل صباح في إزالة النفايات من وسط بيروت لتنظيف الساحات للمحتجين.
وتقول لين (17 عاماً)، طالبة الطب في العام الأول، "لا يرغب أهلي بمشاركتي ويقولون إن هناك عنفاً أحياناً، لكنني أشارك بطريقة أخرى".
وتضيف "شجعت صديقتي على النزول معي، نريد أن نريهم أننا نريد التغيير"، موضحة "ننظف من أجل الناس الذين يأتون للتظاهر بعد الظهر، كي يأتوا ويتحمسوا على التظاهر".
ودخل التحرك غير المسبوق في لبنان على خلفية مطالب معيشية في بلد صغير يعاني من المديونية والفساد والمحاصصة والوراثة السياسية، الإثنين يومه الخامس. وشهد الأحد أكبر التظاهرات بنزول مئات الآلاف إلى الشوارع في مختلف المناطق اللبنانية.
ولين هي واحدة من مئات النساء والرجال والأطفال الذين ينزلون في ساعات الصباح الأولى منذ بدء التظاهر إلى وسط بيروت لإزالة النفايات التي تركها المتظاهرون خلفهم.
وأمام مسجد محمد الأمين، وضع متطوعون مستوعبات بلاستيكية لفرز النفايات، كتب على إحداها "نفايات عضوية" وأخرى "كرتون وورق"، فيما خصصت أكياس كبيرة لجمع عبوات المياه البلاستيكية التي انتشرت في كل ناحية وصوب في الشوارع.
وشهد لبنان أزمة نفايات في العام 2015، حين تكدست الزبالة في شوارع بيروت وضواحيها، ما أسفر عن خروج تظاهرات كبيرة منددة بعجز الطبقة السياسية عن إيجاد حل مستدام.
وفي وسط بيروت، تحوّلت ساحات التظاهر ليلاً إلى ساحات رقص وغناء. واكتظت ساحة الشهداء بمتظاهرين بدا وكأنهم في نزهة، افترشوا الأرض ووضعوا الخيم والنراجيل ومنهم من أتى بموقد للشوي.
– "واجبنا التنظيف" –
منذ صباح السبت، يحضر بيتر مرقدي صباح كل يوم إلى وسط بيروت للتطوع في رفع النفايات.
ويقول الشاب، الذي ارتدى قميصاً رمادي اللون، "دخلت إلى المطبخ في منزلي، فتحت الخزانة لأرى ما فيها، أخذت الأكياس البلاستيكية والقفازات ونزلت إلى الشارع".
ومنذ بدء التظاهرات، بدأت أعداد المتطوعين في التنظيف ترتفع يومياً.
ويوضح بيتر "حين نزلنا إلى الأرض أول مرة كنا خمسة أشخاص فقط، ثم 50 ثم 500، والآن بات هناك الآلاف في كل المناطق".
وأنشأ هؤلاء مجموعات خاصة على تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي للتخطيط. يتجمع المتطوعون كل يوم عند الساعة الثامنة مساء، يجلبون أغراضهم، ويحضرون ما يلزمهم للانطلاق في العمل صباح اليوم التالي.
ويقول بيتر "نحن ندعم الشعب اللبناني الذي يتظاهر، كثيرون يشعرون بالغضب والألم (…) نحن نحترم صوت الشعب وواجبنا هو التنظيف".
واتخذت التحرّكات منحى تصاعدياً منذ الخميس مع ازدياد أعداد المتظاهرين تباعاً، في تحرك شلّ البلد وأغلق مؤسساته كافة. ويحمل المتظاهرون على الطبقة السياسية سوء إدارتها لشؤون البلاد وفسادها وعجزها عن إيجاد حلول لمشاكل متفاقمة منذ عقود.
وكانت الحكومة في الأسابيع الأخيرة تدرس فرض سلسلة ضرائب جديدة تطال بمجملها جيوب الفقراء ومحدودي الدخل. وشكل سعيها لفرض رسم مالي على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات الهاتف الخلوي الشرارة التي أطلقت هذه التحركات الغاضبة.
– "مكانهم.. القمامة" –
أمام الأسلاك الشائكة، يضع شاب كمامة على وجهه ويكنس الأرض بمقشة خشبية طويلة.
ويصور سهيل حمدان (49 عاماً) مشهد التنظيف أمامه بهاتفه الخلوي، لينشره على وسائل التواصل الاجتماعي لاحقاً.
ويقول "مصير الفاسدين في بلدنا هو أكياس القمامة ومن بعدها السجن".
ويضيف "لا أستطيع أن أخرج من الشارع إلا إذا وُضع النواب والوزراء الفاسدون في السجن".
ولا يقتصر الأمر على الشبان، بل شارك الأطفال أيضاً في أعمال التنظيف.
ترفع طفلة شعرها، تضع كمامة على وجهها، وترتدي قفازاتها، وتجمع آخر النفايات وتضعها في كيس حمله والدها قربها.
اختار سامي الديب (34 عاماً) ألا يذهب إلى عمله في توزيع المواد الغذائية، إذ أن ما يحصل في الشارع اليوم أهم من أجل مستقبله.
ويقول "نحن في الشارع منذ أربعة أيام، نناضل من أجل حقوقنا".
منذ اليوم الأول، يشارك سامي في التظاهرات التي تحولت مساء الأحد إلى ساحات رقص وغناء. وتوزعت شاحنات محملة بمكبرات الصوت في وسط بيروت ليلاً. ومن كل شاحنة، تصدح أغنية مختلفة عاطفية كانت أو وطنية، ومن حولها يرقص المتظاهرون حاملين الأعلام اللبنانية أو واضعين أقنعة على وجوههم.
ويقول سامي "ننظف في الصباح، ونحتفل مساء".