كيف تحولت صورة العثماني إلى مادة للسخرية؟
الدار/ رشيد عفيف
كلما تقدم الولاية الحكومية نحو نهايتها كلما ازدادت صورة رئيس الحكومة اهتزازا وتأثرا بموجات السخرية والتهكم. وتدريجيا تحول سعد الدين العثماني خلف سلفه عبد الإله بنكيران إلى رمز لكل أشكال التهكم والهزل الفايسبوكي الذي وجد في شخصية رئيس الحكومة مادة إعلامية غنية زكتها مشاهد حضوره في المنتديات العالمية وتصريحاته المثيرة التي يطلقها بين الفينة والأخرى. ومع اهتزاز صورته تتراكم العوامل والأسباب السياسية والشخصية التي تعمق البعد الكاريكاتوري للرجل. وقد ظهر ذلك بجلاء في حجم التداول الذي عرفه مشهد استقبال رئيس الحكومة من طرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش القمة الإفريقية الروسية. وعلى الرغم من أن تحول العثماني إلى مادة إعلامية هزلية تفاقم في الآونة الأخيرة إلا إرهاصات هذه الصورة المهزوزة بدأت منذ تعيينه بديلا عن بنكيران.
إثر هذا التعيين بدأت السخرية والتهكم بتلقيب العثماني ب"بن عرفة" اتهاما له بخيانة رفيق دربه عبد الإله بنكيران وقبوله تولي مسؤولية الحكومة بدلا منه. لكن الرجل يحمل في طيات شخصيته بذور الشخصية المهزوزة. وكثيرا ما يستعرض منتقدوه هذا الجانب انطلاقا من مقارنته بسلفه عبد الإله بنكيران. لقد كان بنكيران يمثل شخصية رئيس الحكومة القوي في مواجهة المعارضة، البرلمانية على الخصوص، واستطاع أن يشكل في ظرف وجيز من تقلده مسؤولية رئاسة الحكومة قاموسه الخطابي الخاص، الذي لم يكن يخلو من الجرأة وأحيانا الصلافة، وهو الأمر الذي يفتقد تماما سعد الدين العثماني، دكتور علم النفس، الهادئ والمسالم المحافظ على بشاشة دائمة مهما كانت الضغوطات والظروف، هذا البعد يضفي على شخصيته انطباعا من الضعف والاستسلام.
لكن هذه الصورة الهشة، كانت في الحقيقة نتيجة طبيعية لظروف تعيينه، فارتدادات البلوكاج الحكومي الذي طال لشهور، جعلته على رأس حكومة ضعيفة وغير متماسكة وتحمل في ذاتها أسباب انهيارها. فضعف شخصيته جزء من ضعف حكومته، التي تعثرت طويلا قبل أن تخرج من مخاض البلوكاج. ومنذ أن قبل سعد الدين العثماني والحكومة تجد نفسها في موقف ضعيف في مواجهة كل السلط المضادة سواء المعارضة البرلمانية أو النقابات أو المجتمع المدني أو مختلف الفئات المهنية.
وتعزز الضعف الشخصي والحكومي المرتبط بسعد الدين العثماني، أيضا بهدية أخرى قدمها لمنتقديه، من خلال التصريحات الكارثية وغير المدروسة، بل والساذجة أحيانا، "الوضع في المغرب أحسن من فرنسا"، "الدولة مسؤولة عن عن خروج الماء بعد فتح الصنبور، واشتعال المصابيح بمجرد الضغط على الزر" وغيرها من التصريحات حولته إلى مصدر تندر وتنكيت دائم، وكانت مصدر إلهام لكل منتجي المحتوى الإعلامي على شبكات التواصل الاجتماعي. ومن الظاهر أن غياب رؤية تواصلية واضحة واستراتيجية فعالة في هذا الإطار وضع رئيس الحكومة في مأزق تراكم التصريحات الكوميدية والمستفزة أحيانا، علما أنه من المفروض أن يمتلك رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، أو "البكماني" كما لقبته بذلك بعض صفحات التواصل الاجتماعي، خطة تواصلية محكمة يشرف عليها فريق محترف.
ومن سوء حظ رئيس الحكومة أنه تقلد مسؤولياته في سياق جديد يعرف نوعا من التعميق لهوامش حريات التعبير، والتي تمارس أساسا على رؤساء السلطة التنفيذية مثلما تم إقراره منذ رئاسة الوزير الأول الاستقلالي عباس الفاسي. هذا التعزيز الذي عرفته حريات التعبير كان ضحيته أساسا رئيس الحكومة وأعضاءها الذين يجدون يوميا تصريحاتهم وأفعالهم وحركاتهم ومواقفهم موضوع سخرية وتندر مثلما حدث مؤخرا مع وزير الاتصال الجديد عبيابة، ومع وزير السكني السابق نبيل بنعبد الله خصوصا مع ما تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي من فضاء مفتوح لا يعرف الحدود أو القيود. قبل أكثر من عقد من الزمن لعبت الصحافة الورقية المستقلة دورا مهما في ترسيخ حرية انتقاد المسؤولين الحكوميين بعد الفضيحة الشهيرة التي تورطت فيها حكومة عباس الفاسي عندما تبنت عملية النصب الشهيرة بفضيحة "النجاة" والتي راح ضحيتها آلاف الشباب الباحثين عن الشغل. فتحت هذه الفضيحة جحيم التهكم والسخرية من الفاسي على مصراعيه، ومنذ ذلك التاريخ أصبح انتقاد رئيس الحكومة شأنا إعلاميا مفضلا.