حكومة ‘‘الشاهد الثالثة’’: شبح ‘‘أزمة سياسية تونسية’’
على الرغم من الفوز المكلف جدا الذي سجله ضد معسكره وكل الذين كانوا يطالبون برحيله منذ ثمانية أشهر، فإن الأمور لا تمضي مع ذلك في اتجاه تحقيق وضمان الاستقرار السياسي التام، الذي سعى إليه رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد، بكل ما أوتي من قوة.
التصويت بمنح الثقة للحكومة التونسية الجديدة بعد التعديل الوزاري الذي شمل 18 حقيبة، من بينها 13 وزارة و 5 كتاب دولة، يوم 12 نونبر، بمجلس نواب الشعب ‘‘البرلمان’’ تم بعد نقاش محتدم، ولا يبدو أنه مكن إلى جانب حفل أداء القسم بعد ذلك بيومين، في القصر الرئاسي بقرطاج، من تبديد الانزعاج السائد داخل حزب نداء تونس، الذي كان من وراء تعيين الشاهد في عام 2016 كرئيس للحكومة، ولا الانتقادات الحادة في بعض الأحيان من طرف تشكيلات صغيرة، على غرار الجبهة الشعبية ‘‘يسار’’.
ويبدو أن الأسباب الكامنة وراء الأزمة السياسية التي عاشتها البلاد لمدة طويلة والتي كادت أن تتحول إلى أزمة مؤسساتية، ما زالت أبعد ما تكون عن الزوال نهائيا. فعلى الرغم من الثقة التي يبديها الشاهد، الذي تمكن من أن يقاوم ويتحدى حزبه، فسيكون من الصعب توقع تقوية الاستقرار السياسي أو إيجاد حلول جذرية للمشاكل الهيكلية التي يعاني منها اقتصاد البلاد وتهدئة الانزعاج الاجتماعي خلال عام انتخابي يبدو غير محسوم.
ويظهر أن خاتمة هذه الأزمة السياسية، غير المسبوقة في تونس، ستكون بداية مرحلة جديدة قد تكون ملامحها متسمة بعدم وضوح الرؤية.
الحكومة الجديدة التي جاءت بعد سلسلة من التجاذبات، وأدت إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في البلاد، وظهور تحالف حاكم جديد تقوده حركة النهضة مع إبعاد حزب نداء تونس رغم أنه كان الفائز الأبرز في انتخابات 2014، لن يكون لها ما يكفي من الوقت لتنفيذ الإصلاحات المرجوة، ولا إمكانية القيام بالتغيير المنشود منذ أكثر من سبع سنوات والذي يجد صعوبة في التجسد.
وستواجه الحكومة أولا، كما قال رئيس الحكومة في كلمته أمام البرلمان "نيرانا صديقة" ستواصل إعاقة النقاش العام وعمل الحكومة. نيران قد يكون وراءها حزبه نداء تونس، الذي أزيح من الواجهة بعد أن وقع في فخ تناقضاته. وهو الحزب الذي لم تشمله المشاورات وتنكر له وزراءه الذين لم يستجيبوا للدعوة التي وجهها إليهم من أجل ترك مناصبهم في الحكومة والذي يواصل عدد من نشطائه و مناضليه البارزين التخلي عنه.
وسيكون على الحكومة أن تواجه بعد ذلك تحديات كبيرة والشروع في مشاريع عملاقة من أجل إعادة وضع اقتصاد البلاد على الطريق الصحيح والتخفيف من حدة التوترات الاجتماعية.
وسيتعين عليها في النهاية، أن تعمل، مع ضغط الوقت، على إيجاد حلول لأزمة المالية العامة، واتساع العجز التجاري بشكل غير مسبوق (الذي قد يتجاوز 6 مليارات أورو في 2018)، وتجنب خطر إفلاس نظام الضمان الاجتماعي، ومواجهة الصراع المستمر مع الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر مركزية نقابية في البلاد).
كما يقع على عاتق الحكومة الجديدة، التي تشكلت من تحالف غير متجانس تهيمن عليه حركة النهضة وكتلة الائتلاف الوطني (وسط)، أن تقود البلاد إلى غاية الانتخابات المقبلة (الرئاسية والبرلمانية) المقرر تنظيمها في نونبر ودجنبر 2019 .
ويرى المختصون أن هذه الحكومة التي وصفت بأنها حكومة حرب، سيكون لها هامش مناورة ضيق وستضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة. إذ سيتعين عليها في الواقع، أن تختار بين مواصلة الإصلاحات الأساسية اللازمة التي يفرضها صندوق النقد الدولي كشرط لاستعادة استقرار التوازنات الماكرواقتصادية للبلاد، وبين الاستجابة لضغط الشارع والنقابات.
وعلى الرغم من كل هذه الرياح المعاكسة، فإن رئيس الحكومة يوسف الشاهد، يبدو واثقا ومصمما وواقعيا أيضا.
فهو يعتبر أن الصعوبات الاقتصادية والمالية والاجتماعية الكبرى التي تضاعفت منذ عام 2016 لا يمكن أن تحل بعصا سحرية. ويرى أنه لا يمكن لتونس الخروج من هذا الوضع في غضون عام أو عامين، مؤكدا أنه لهذا السبب تجنب تقديم وعود غير واقعية وفضل وضع أهداف على مدى أربع سنوات.
وستعمل حكومة الشاهد الثالثة على ثلاثة محاور: اقتصادي واجتماعي وسياسي. وسيرتكز المحور الاقتصادي على تحسين مؤشرات نمو الاستثمار، وتحسين فرص الشغل، والحد من عجز الميزانية ومن عجز الميزان التجاري.
أما على الصعيد الاجتماعي، فإن الأولوية المطلقة ستعطى لمحاربة التضخم وارتفاع الأسعار، حيث أكد الشاهد عزمه على محاربة جميع أشكال الاحتكار والتجارة الموازية للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن.
وعلى الصعيد السياسي، سيكون السير الجيد للاستحقاقات الانتخابية رهينا بوحدة التونسيين والتزام الطبقة السياسية بمواصلة بناء هذه الديمقراطية الفتية التي تضررت بفعل الانقسامات والحسابات السياسوية.
ومع تفاؤل حذر ووعي بحجم التحديات، يظل هناك اقتناع بأن الاستقرار السياسي في البلاد يظل مرتبطا ارتباطا وثيقا بالاستجابة لجملة من المتطلبات، وفي مقدمتها استعداد الفاعلين السياسيين والاجتماعيين لاختيار طريق التوافق من أجل تسوية كافة القضايا الشائكة والشروع في الإصلاحات الكبرى التي طال انتظارها.
المصدر: الدار – وم ع