مصدر رسمي مغربي يرد على تقرير هيومن رايتس ووتش: الادعاءات والمزاعم لا يمكنها أن تنتج سوى الادعاءات والمزاعم
تحت عنوان " المغرب: شبهات التعذيب تشوه محاكمة جماعية"، صدر التقرير الأخير لمنظمة (هيومن رايتس ووتش) الذي خصصته لمتابعة مجريات محاكمة معتقلي أحداث الحسيمة في مرحلتها الابتدائية، والتي انتهت بإصدار أحكام قضائية بلغت في حدها الأقصى 20 سنة سجنا نافذا.
وقد اعتمدت المنظمة الحقوقية في العديد من خلاصاتها على تصريحات الإعلامي المغربي وناشر مجلة (تيل كيل) السابق أحمد رضى بنشمسي، كما أنها أسست قناعاتها وتوصياتها على تصريحات ومزاعم أدلى بها المعتقلون، والذين وصفتهم المنظمة في الكثير من الفقرات ب"النشطاء" و"قادة الحراك"، دونما أية إشارة إلى وصفهم القانوني كمتابعين أو متهمين أو مرتكبي جرائم منصوص عليها وعلى عقوباتها في القانون الجنائي المغربي.
وفي تعليق على هذا التقرير، أوضح مصدر رسمي مغربي بأن "الادعاءات والمزاعم لا يمكنها أن تنتج سوى الادعاءات والمزاعم أيضا"، معززا تصريحه بأن منظمة هيومن رايتس ووتش أسّست قناعاتها على استيهامات شخصية وانطباعات مغلوطة. ألم تزعم المنظمة بأن "الشرطة قدمت للمعتقل حسين الإدريسي محضرا من 150 صفحة من أجل التوقيع عليه، وللمعتقل نبيل أحمجيق وثيقة تتكون من 200 صفحة لتذييلها بتوقيعه"؟، بيد أن ملف القضية لم يتضمن أي محضر استماع يتجاوز عشر صفحات في أقصى الحالات"، يتساءل المصدر المغربي باندهاش كبير!.
كما أنه جزم بأن "المحاضر التي يوقعها المشتبه فيهم تقتصر على محضر الاستماع وتحصيل الإفادات، وعند الاقتضاء التوقيع على محاضر التفتيش والحجز، وهي وثائق قضائية لا يمكنها أن تبلغ 200 صفحة بالنسبة للمتهم الواحد، كما زعمت المنظمة على لسان المعتقلين بشكل مغلوط".
وفي سياق متصل، تساءل المصدر الرسمي (مرة أخرى): لماذا قد تلجأ الشرطة القضائية للتحايل أو التزوير أو إرغام المعتقلين على التوقيع على محاضر استماعاتهم؟ كما ادعت المنظمة، وهي تعلم جيدا أن القانون يعتبر هذه المحاضر مجرد بيانات للاستئناس فقط في الجنايات، بصريح المادة 291 من قانون المسطرة الجنائية المغربي. فالمحاضر المنجزة في الجنايات، كما هو الشأن بالنسبة لمعتقلي الحسيمة المحالين على محكمة الاستئناف بالدار البيضاء وكذا أولئك المتابعين في أحداث إضرام النار في بناية تأوي عناصر الشرطة، هي مجرد بيانات غير ملزمة للمحكمة وليست لها حجية مطلقة. فلماذا إذن قد يلجأ المحققون لأسلوب الإكراه والتحايل وهم يدركون أن المحكمة تستأنس بها فقط؟
وسجّل المصدر الرسمي عدة مؤاخذات إضافية على تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، الذي وصفه بأنه كان مليئا بالمغالطات والتناقضات، متسائلا " ألم تزعم المنظمة بأن أحكام القضاء ارتكزت أساسا على (اعترافات المتهمين)؟، قبل أن تعود في فقرات أخرى للحديث عن وجود أدلة وإثباتات أخرى ضمن وثائق الملف من قبيل التسجيلات الهاتفية والمقاطع المصورة، وإن ادعت -في سياق الحديث عن هذه الإثباتات- بأن القضاء لم يسمح للدفاع بالحصول على نسخ منها".
فالزعم القائل بأن " المحكمة أسست حكمها بالإدانة على اعترافات المتهمين"، يمكن- تجاوزا- قبوله في الجنح والمخالفات، لأن القانون يعتد بمضمون المحاضر والتقارير التي تنجزها الشرطة القضائية ما لم يثبت العكس بأية وسيلة من الوسائل (المادة 290 من قانون المسطرة الجنائية)، أما في معرض الحديث عن الجنايات، فإن مثل هذه المزاعم تبقى بدون أساس ولا تحتاج حتى للرد عليها، لأن المهتمين بالشأن القانوني يعرفون جيدا حدود حجية المحاضر وقيمتها القانونية كوسيلة للإثبات،وذلك بخلاف المنظمة الحقوقية المذكورة التي رتبت استنتاجاتها على مزاعم يشغل فيها الادعاء والوهم حيزا أكبر من المصداقية والحقيقة.
ومن جملة المؤاخذات التي استعرضها المصدر المذكور في معرض تعليقه على هذا التقرير، ما اعتبرها "محاولة منظمة هيومن رايتس ووتش تشكيل قناعة تجزم بوقوع التعذيب على أساس الشذرات المبتورة من التقرير المنسوب لطبيبين شرعيين كان قد عينهما المجلس الوطني لحقوق الإنسان لفحص الحالة الصحية للمعتقلين في إطار أحداث الحسيمة وضواحيها".
وفي هذا الصدد، أوضح المصدر الرسمي بأن قاضي التحقيق كان قد انتدب طبيبا شرعيا لفحص المعتقلين، كما انتدب لنفس الغرض طبيب من المؤسسة السجنية بمدينة الدار البيضاء، وهي الفحوصات التي اطلعت عليها هيئة المحكمة وأسست عليها قناعاتها في الشق المتعلق بانتفاء تسجيل التعذيب في حق المعتقلين. وهذا التوجه يناقض ويدحض بشكل قطعي انطباعات المنظمة الحقوقية المذكورة، التي ذهبت في اتجاه تثبيت فكرة مغلوطة مؤداها "أن القضاء المغربي تجاهل نهائيا البت في مزاعم وشكايات التعذيب".
وبخصوص التقرير الطبي الذي بنت عليه منظمة هيومن رايتس ووتش قناعاتها، يستطرد المصدر ذاته، فإنه "عبارة عن تقرير منقوص تم تسريب شذرات منه إلى الصحافة خارج الإطار الذي حدده بروتوكول اسطنبول، الذي يشكل دليلا استرشاديا لهيئات التحقيق والخبراء والأطباء المكلفين بالبحث في مزاعم التعذيب أو المنتدبين لمعاينة آثاره الجسدية والنفسية على الضحايا المفترضين".
فبروتوكول اسطنبول يوصي في (البند 84 منه) بالسرية المطلقة في تقارير هيئات التحقيق والخبراء الشرعيين في مجال مناهضة التعذيب، مؤكدا بأن تقارير الفحص الطبي يجب أن تحال على الجهة المكلفة بالتحقيق دون سواها، بيد أن التقرير الذي تهتدي به المنظمة، وترتب عليه قناعاتها لاتهام السلطات المغربية، كان قد صدر في الصحافة أولا، وسارت بذكره الركبان، قبل أن يقول وزير العدل لاحقا بأنه سيحيله على النيابة العامة المختصة. فأين هي السرية المطلوبة والمنصوص عليها في المرجع الاسترشادي الدولي؟ يتساءل مصدرنا باستغراب كبير!
كما أن البروتوكول أعلاه، حدّد بدقة طبيعة عمل الأطباء الشرعيين في مجال مناهضة التعذيب حتى يكتسب القيمة الثبوتية، وذلك بدءا بإعطاء جرد دقيق لظروف المقابلة والفحص، وتقديم ملخص للرواية حول مزاعم التعذيب وهي التي تعرف ب"الخلفية"، ثم الانتقال إلى الفحص الطبي الجسدي والنفسي والتشخيصات الضرورية المقرونة بالصور إن أمكن، وبعدها يمكن تكوين الرأي وتوضيح العلاقة المحتملة بين نتائج الفحص ومزاعم التعذيب، ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي مرحلة تدوين الفحص وتذييله بتوقيع الطبيب أو الخبير المشرف على هذه العملية.
لكن بالرجوع إلى التقرير الذي تعتد به المنظمة، وتحاول ترجيحه على باقي التقارير الطبية التي استندت إليها المحكمة، نجده لم يحترم هذه المبادئ التوجيهية في عمل الطب الشرعي، وانبرى الطبيبان المكلفان يتحدثان عن أمور قانونية وواقعية لا تدخل في نطاق عمل الطبيب أو في الولاية الخاصة بالطواقم الطبية، وذلك من قبيل "مدى احترام الشرطة لشكليات الدفاع وإخبار العائلة والحق في التزام الصمت…الخ". فمثل هذه المعطيات القانونية لا تكتسي طابعا فنيا أو طبيا، مما يجعل إثارتها من قبل طبيب شرعي انحرافا غير مبرر عن ولايته النوعية، وعيبا في الاختصاص يؤثر على مصداقية التقرير المنجز من طرفه.
وختم المصدر الرسمي تعليقه، بأن تقرير هيومن رايتس ووتش اعتمد على خلاصات وقناعات السيد أحمد رضى بنشمسي، الذي يشغل فيها منصب مدير التواصل والمرافعة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والذي لا يمكن عزل مواقفه الحقوقية عن توجهاته السياسية، وهو الأمر الذي يرفع الحيادية والتجرد عن تقرير المنظمة، ويجعله غارقا في شبهات السياسة وأشياء أخرى.