سلطنة عمان على خطى السلطان قابوس
أولويات السلطان هيثم بن طارق: دبلوماسية حيوية وتنفيذ لرؤية 2040.
تعهد سلطان عمان الجديد هيثم بن طارق السبت بمواصلة سياسة بلاده التي انتهجها سلفه الراحل السلطان قابوس بن سعيد، الأب المؤسس لسلطنة عمان الحديثة، على المستويين الخارجي والداخلي بالحفاظ على صورة الدولة التي نجحت في أن تحتفظ بحياد إيجابي مكّنها من أن تتحول إلى نقطة التقاء الخصوم والوسيط الأبرز في أغلب ملفات المنطقة، مع الاستمرار في خيار التطوير والتغيير بالداخل بتنفيذ ما تضمنته “رؤية عمان 2040”.
ويخلف السلطان الجديد السبت السلطان قابوس الذي توفي عن 79 عاما بعد توليه حكم السلطنة لنحو 50 عاما، قام خلالها بنقل بلاده من دولة معزولة تفتقر للخدمات الأساسية إلى بلد متطور ومحايد يحظى باحترام في الخليج وعلى الساحة الدولية.
وتعهد السلطان هيثم بن طارق بعد تعيينه بمواصلة سياسة بلاده الخارجية القائمة على “عدم التدخل”.
وقال السلطان الجديد في أول تصريحات منذ تنصيبه “سوف نرتسم خط السلطان الراحل مؤكدين على الثوابت (…) وسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لغيرنا”.
ويشير متابعون للشأن العماني إلى أن السلطان الجديد، وهو خريج جامعات غربية، سيكون أحرص على تمتين صورة البلاد خارجيا بانفتاح هادئ يحافظ على ثوابت السياسة الخارجية للسلطنة، وأولها تقوية العلاقات مع دول الخليج التي بادرت إلى إصدار بيانات التعازي عقب الإعلان عن وفاة السلطان قابوس وبعضها أعلن الحداد مثل الإمارات والكويت والبحرين، فضلا عن دول عربية أخرى مثل مصر والأردن.
ويظهر الانتقال السريع والسلس للسلطة أن السلطان الجديد يحظى أيضا بالدعم الذي يحتاجه لقيادة السلطنة في وقت يتصاعد فيه التوتر في المنطقة، وهو ما يفتح الباب أمام عمان لتلعب دور الوسيط الذي يطفئ النيران ويفرش الطريق أمام الحوار الهادئ بعيدا عن خطابات التصعيد التي يُلجأ إليها في الغالب لتوجيه رسائل داخلية مثلما هو الحال مع إيران والولايات المتحدة خلال التوتر الأخير.
وكان مجلس العائلة المالكة قد انعقد، السبت، واختار هيثم بن طارق سلطانا بعد فتح وصية الملك قابوس لتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم. وذكرت وكالة الأنباء العمانية أن مجلس العائلة “قرر عرفانا وامتنانا للمغفور له… وبقناعة راسخة تثبيت من أوصى به في وصيته إيمانا من المجلس بالحكمة المعهودة لجلالته طيب الله ثراه”.
وينص قانون صادر عام 1996 على أن تختار العائلة الحاكمة سلطانا جديدا خلال ثلاثة أيام من خلوّ العرش.
وقال عضو هيئة تدريس في قسم التاريخ في جامعة الكويت والزميل في مركز كارنيغي بدر السيف اختيار السلطان قابوس لهيثم بن طارق مرده “أنه ببساطة الأكثر قربًا لشخصيته. السلطان الجديد معروف بهدوئه وتأثره بالثقافة الإنجليزية كما كان الحال مع الراحل”.
وولد السلطان الجديد عام 1954 ودرس في جامعة أوكسفورد وكان وزيرا للتراث والثقافة ووكيلا لوزارة الخارجية، وعيّنه السلطان قابوس عام 2013 رئيسا للجنة الرئيسية المسؤولة عن التنمية في السلطنة، والتي تعرف بلجنة “رؤية عمان 2040” المكلفة بوضع الرؤى المستقبلية والتخطيط لمستقبل السلطنة.
وأكد بدر السيف أن “شغف السلطان الجديد بعالم التجارة والاقتصاد سيكون محل ترحيب خصوصا مع ضرورة انتهاج عمان لإصلاحات اقتصادية مهمة. سيسير الخلف على طريق سلفه ولكن تبقى خطواته القادمة محط أنظار الكثير”.
واعتبرت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري، أن “سرعة تعيين خليفة أمر إيجابي لأن عدم الوضوح كان سيصبح مثار غموض اقتصادي كبير”.
من جهته، قال كريستيان أولريشسن من معهد “بيكر” للسياسة العامة بجامعة رايس الأميركية إن حقيقة تولي هيثم لرؤية 2040 “أمر مهم”.
وأكد أن “رؤية 2040 هي خطة إصلاح اقتصادي طويلة الأمد ستحدد ما إذا كانت سلطنة عمان ستنجح في التحول إلى اقتصاد في مرحلة ما بعد النفط في السنوات والعقود المقبلة”.
والسلطان الجديد هيثم بن طارق (65 عاماً)، محب للرياضة، وتولى منصب نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، قبل أن يصبح وزيراً للتراث والثقافة إبان التسعينات.
كما أنه أول شغل منصب أول رئيس للاتحاد العماني لكرة القدم مطلع الثمانينات. وخلال توليه وزارة الثقافة، لعب السلطان الجديد دورا بارزا في ترميم عدد من المواقع التاريخية في السلطنة. وخلال عمله في وزارة الخارجية، مثل السلطان بلاده في مؤتمرات في الخارج لكنه بقي مجهولا نسبيا على الساحة الدولية.
المصدر: الدار ـ وكالات