الحدود الوهمية التي صارت اقتصادا طفيليا رهيبا
الدار/ رضا النهري:
أكثر التجار تشاؤما في المدينتين المحتلتين، سبتة ومليلية، لم يكونوا يتوقعون أن تصير الأمور كما هي عليه اليوم، عندما تم أقفال منافذ التهريب، الذي نخر البلاد والعباد لعقود طويلة، وكان يجب أن ينتهي في يوم ما.
سبتة ومليلية محتلتان، لكن المشكلة أن المغرب هو الذي يغذيهما، وهذه ظاهرة فريدة في العالم، حينما يتكفل البلد الذي يتم احتلال أراضيه بتغذية وإنعاش المحتلين، فنحن نطعم المدينتين ونسقيهما ونمنحهما وسائل الحياة.
المشكلة الأكبر هي أن سبتة ومليلية، اللتان نطعمهما من أطيب ما لدينا، من ماء وخبز وسمك ولحم وخضر وفواكه وغير ذلك، هما اللتان تقومان بتسميمنا عبر البضائع الخطيرة التي تغرق الأسواق المغربية، بدعوى رخص أسعارها، بينما تنخر هذه البضائع صحة المغاربة جيلا بعد جيل.
رغم كل ذلك ظل الكثير من الجهلة يتشدقون بحماية قوت وأرزاق المهربين الصغار، والحقيقة أن هؤلاء الصغار بدورهم ضحايا للمهربين الكبار، فبينما تحصل امرأة مسنة ومريضة على حفنة من الدراهم مقابل إخراج البضائع المهربة من المدينتين، فإن “الباطرونات” الكبار للتهريب يجنون الملايير، إنهم المستفيدون الكبار، لكنهم يوجدون في الظل، ويدفعون إلى الأضواء بآلاف النساء البئيسات حتى يستمر تعاطفنا معهن إلى الأبد.
لم تكن لسبتة ومليلية مناطق صناعية ولا اقتصاد يعتد به، كل ما لديهما هو حدودهما الوهمية التي صارت دجاجة تبيض ذهبا، والصورة المرفقة مع هذا المقال خير دليل على ذلك، حين خرج مؤخرا تجار مليلية في مظاهرة حاشدة وهم يحملون لافتة عليها عبارة بليغة تقول “مليلية تموت: الصناعة الوحيدة التي نملكها هي حدودنا”. والحقيقة أن هؤلاء المتظاهرين يستحقون التنويه لسبب واحد: صراحتهم..
لقد نجحت سبتة ومليلية في جعل حدودهما الوهمية بمثابة اقتصاد قوي أغرق أسواقنا ومنازلنا بكل أنواع البضائع، إلى درجة أن حواجز أمنية مغربية في الطريق بين سبتة ومليلية سبق أن ضبطت سيارات تحمل لحوم وكبد خنازير مهربة نحو الأسواق المغربية، والمثير أن ذلك تم في شهر رمضان، وأكيد أن هناك من تناولوا كبد الخنزير في الشهر الفضيل وهم يعتقدون أنهم يتناولون كبد بقر أو غنم.
القضية في البداية والنهاية ليست قطعا لأرزاق البسطاء، بل ضربا على أيدي أباطرة التهريب الذين كانوا يستغلون أولئك البسطاء، ومن الأكيد أن محيط سبتة ومليلية سيتغير قريبا عبر مشاريع اقتصادية حقيقية ستستوعب الكثير من الأيدي العاملة، لكي تحصل على لقمة عيشها بعيدا عن ذل التهريب.