منتصر حمادة
تأسّس هذه المقالة على إشارة تندرج في باب المفارقة، مفادها أنه في سياق إشارة الخطاب الملكي المؤرخ في 30 يوليوز 2019 إلى فشل النموذج التنموي المغربي، معلناً في آن عن إطلاق حملة استشارات مجتمعية، تشرف عليها نخبة بحثية ومؤسساتية، لكي تحرر أرضية نموذج تنموي بديل، ابتداءً من يونيو الماضي، في هذا السياق إذن، نعاين وجود العديد من الأسماء المؤسساتية التي يمكن إدراج ما تقوم به في مقام الإصلاح من الداخل، بعيداً عن الضجيج والتهويل، كما تزكي ذلك ما تقوم به هذه الأسماء على أرض الواقع.
بين أيدينا مجموعة من الأسماء، وفي عدة حقول، ولكن ارتأينا التوقف عند اسمين اثنين، وهما فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وعبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني، وبيان ذلك كالتالي، في إشارات فقط، لمن ألقى السمع وهو شهيد.
فمع الأول، نعاين فورة في المبادرات المؤسساتية التي لم نكن نسمع عنها من قبل، وآخرها، أن المغرب أصبح أول بلد إفريقي يستعمل تقنية “الفار” في مساعدة حكام مباريات كرة القدم في الدوري الوطني. [تابعنا زوال أمس لقاء أولمبيك آسفي والجيش الملكي، واتضح أن هذه التقنية كانت الفيصل أمام حكم المباراة لكي يتم الحسم في بعض القرارات، أفضت في حالة أولى إلى اتخاذ قرار مرتبط بضربة جزاء، وأفضت في حالة ثانية إلى اتخاذ قرار مرتبط بطرد أحد اللاعبين، وواضح أن هذه مستجدات لم تكن لدينا من قبل، وليست قائمة حتى حدود اللحظة في باقي دوريات كرة القدم الإفريقية]، دون الحديث عن مبادرات أخرى، ومنها رد الاعتبار للحضور المغربي على الصعيد الإفريقي، في زمن انفتاح المغربي على القارة، في عدة مجالات، قاسمهما المشترك، الانتصار لخيار استراتيجي، رغم الإعاقات الذاتية والخارجية.
مؤكد أن هناك عدة انتقادات على أداء الرجل، ولكن هذه مسألة طبيعة، لأن من يتقلد المسؤولية في هذا الحقل بالذات، لا يتوقع أن الجميع سيُصفق له، ويكفي استحضار تأثير ظاهرة “الإلترا” مثلاً على أداء النوادي الرياضية في كرة القدم، أو استحضار وجود العديد من رموز إعاقة الإصلاح في لائحة من الأندية، وعوامل أخرى، ولكن الذي يهمنا هنا، الشق الإيجابي من أداء الرجل، ووحدهم صناع القرار في المؤسسة الملكية، معنيون بالحسم في نتائج تلك المقارنات بين مضامين الأخذ والرد في الأداء.
أما الثاني، ونظراً لحساسية منصبه من جهة، وإصراره الصريح (منذ زمان وليس اليوم وحسب) على أخذ مسافة من الأضواء، فلن نتحدث عن صفات الصرامة والشفافية، والتجاوب مع نبض الشارع، والتفاعل الإيجابي والسريع مع شكاوى مواطنين تعرضوا لظلم أو اعتداء رجل أمن طائش أو مغتر بمنصبه، أو شيء من هذا القبيل، حتى لا يتم اختزال الحديث في الدعاية، وإنما سنترك الآخر يتحدث عنه، ونتوقف هنا عند شهادتين في هذا السياق:
ــ جاءت الأولى من فاعلين يشتغلون في المجال الذي نتابعه على هامش تنسيق تقرير الحالة الدينية في المغرب، والذي يصدر عن مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، والحديث عن شهادة معتقلين على خلفية قضايا “التطرف العنيف”، بما في ذلك حالات معتقلين يوجدون رهن الاعتقال، كما عاينا ذلك من قبل، وتفيد هذه الشهادات أن تعامل المؤسسة الأمنية، بما فيها إدارة السجون، مع المعتقلين الإسلاميين بشكل عام، في زمن تولي الحموشي كرسي تدبير الإدارة العامة للأمن الوطني، تعامل مختلف كلياً مقارنة مع الحقبة السابقة (يجب التذكير في هذا السياق، أنه في سياق أعطاب التدبير السابق، اضطر ملك البلاد للإقرار بوجود انتهاكات في حقوق الإنسان، كما جاء في حواره الشهير مع صحيفة “إل بايس” الإسبانية، لولا أن هذا الإقرار لا يمكن أن يصدر اليوم، بعد التحول الصريح في تدبير الملف).
ــ وجاءت الشهادة الثانية على لسان العديد من التقارير الغربية، وخاصة الأوربية، والصادرة عن مؤسسات رسمية، فالأحرى المؤسسات البحثية والإعلامية، والتي تصب في التنويه الصريح بعمل الرجل على رأس المؤسسة، وهذه شهادات كانت نادرة في زمن ما. (يجب التذكير هنا كذلك بأن بعض الدول الأوربية، تستعين بالخبرة المغربية في تدبير ملف “التطرف العنيف”، وتعلن عن ذلك بشكل رسمي، رغم أننا نتحدث عن دول وطنية، وبعضها محسوب على قوى عظمى، أو على الأقل قوى إقليمية).
الشاهد هنا، أن نسبة من الرأي العام المغربي، تطرح بعض الأسئلة حول غياب أمثال هذه الأسماء في حقول أخرى، من قبيل غياب أمثال لقجع والحموشي في حقول الاقتصاد والدين والثقافة..إلخ.
وليس صدفة أن تكون خلاصة “فشل النموذج التنموي”، ترجمة رسمية لهذا الانطباع السائد لدى الرأي العام، والذي يُفيد أن تفعيل وتيرة الإصلاح، في حال شخصنة هذا الخيار، يتطلب الإتيان بأسماء إصلاحية لتدبير العديد من الملفات الحارقة، أو على الأقل، تقليد ما يقوم به هذا الثنائي، كل في مجاله، رغم الإكراهات والإعاقات وما جاور هذه التحديات.
وجود أمثال هذه الأسماء، يُغذي الأمل لدى الرأي العام، في مواجهة خطاب العدمية والجهالة (الدينية والمادية) وحسابات الطوابير الخامسة، أو الطوابير الفاسدة التي تعج بها الساحة، وفي عدة حقول.