بعد زيارة صندوق النقد.. هل يقترض لبنان لإنقاذ اقتصاده المنهار؟
زار فريق مكون من 20 مسؤولا في صندوق النقد الدولي، لبنان الأسبوع الماضي بدعوة من الحكومة الجديدة لتقديم خطة فنية طارئة لإنقاذ اقتصاده المنهار، ثم غادر الوفد بعد مفاوضات استمرت خمسة أيام دون أي إعلان عن التوصل لاتفاق.
وأفادت مصادر سياسية في بيروت الثلاثاء، بأن صندوق النقد لا يزال بانتظار رد الحكومة اللبنانية على ملامح الخطة التي قدمها وتشمل معونات فنية وتقنية يمكن أن تفتح الباب أمام تدفق المساعدات المالية الدولية.
ولم يطلب لبنان من صندوق النقد أي مساعدة مالية خوفا من فرض شروط قاسية يمكن أن تقابل بالرفض من قبل بعض الأحزاب السياسية وتثير موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية التي كانت السبب في استقالة الحكومة السابقة وتشكيل حكومة طوارئ جديدة.
وقال بعض المصادر إنه ”لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي مع الصندوق وتم الاتفاق فقط على أن تقوم الحكومة بالرد على مقترحات الوفد الذي زار بيروت أخيرا.“
من جانبه رأى كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي جابريس ايراديان أن لبنان بحاجة لاتفاق مع الصندوق لكسب ثقة المانحين الدوليين.
وقال ايراديان إنه ”دون اتفاق مع الصندوق ستكون هناك صعوبة بالغة للبنان للحصول على مساعدات مالية، اعتقد بأن لبنان سيتخذ الخيار الأمثل بالاتفاق مع الصندوق.“
ويعاني لبنان البالغ عدد سكانه نحو 6 ملايين نسمة من تراكم الديون التي وصلت إلى حوالي 90 مليار دولار بنهاية عام 2019 أي ما يزيد عن 160% من الناتج المحلي الإجمالي.
كما يرزح البلد العربي تحت عجز مزمن بالميزانية يتوقع أن يكون بلغ نحو 15% من الناتج العام الماضي وشح خطير بالدولار الأمريكي في السوق رغم أن الليرة اللبنانية مرتبطة بالدولار الذي يشكٌل أيضا ما يقارب 70% من واردات لبنان.
وعلى الرغم من ارتباطها بالعملة الأمريكية فإن الليرة فقدت أكثر من 50% من قيمتها في السوق الموازي أي محلات الصرافة ومؤسسات مالية غير رسمية ما أدى إلى تفاقم التضخم نتيجة اعتماد لبنان على الواردات بشكل كبير.
انفجار داخلي
وقالت صحيفة ”فاينانشال تايمز“ البريطانية في تقرير نشرته أخيرا عن لبنان، إنه ”ينبغي على الحكومة الجديدة أن تقرر قريبا ما إذا كانت ستقبل بصفقة صندوق النقد الدولي من أجل إنقاذ اقتصاد البلاد من انفجار داخلي كبير وإلا فإن لبنان سيواجه دمارا اقتصاديا وماليا واجتماعيا لن يمكن إصلاحه قبل عشرات السنين.“
وأضافت أن ”الحقيقة أن صندوق النقد وحده القادر على مساعدة لبنان في هذه الأزمة من خلال تقديم المعونة الفنية والمالية وتشجيع الدول المانحة على رفع القيد عن المبالغ التي وعدت بها لبنان عام 2018 والبالغة حوالي 11 مليار دولار.“
من جانبها حذرت مجلة ”الإيكونومست“ البريطانية من حدوث كارثة اقتصادية في لبنان ما لم يقرر الموافقة على مساعدة من صندوق النقد الدولي مشيرة إلى أن الأوضاع وصلت في الأسابيع الأخيرة الى ”مرحلة الأزمة الشديدة“ بعد تراجع حاد في الاحتياط المالي الخارجي.
ولفتت المجلة إلى قيام موديز ووكالات تصنيف مالي عالمية أخرى بمزيد من الخفض في التصنيف الائتماني للبنان الشهر الماضي فيما أشارت إلى تحذير البنك الدولي من حدوث ”انفجار داخلي كبير“ مضيفة ”الحقيقة أن الأوضاع في لبنان لم تتحسن أبدا.“
وقالت المجلة إنه ”لا تزال خطة الإنقاذ المالية في الأفق والآمال تزايدت بعد زيارة وفد صندوق الدولي للبنان الأسبوع الماضي وإعلان السعودية وفرنسا عن استعدادهما مساعدة لبنان، لكن المشكلة أنه في حال طلب لبنان مساعدة مالية من الصندوق فستأتي بشروط بما فيها رفع الضرائب وتشديد مكافحة التهرب من دفع الضريبة وخفض الدعم لقطاع الكهرباء الذي يستهلك أكثر من ملياري دولار من الميزانية، والحقيقة أن مثل هذه الإجراءات تعني أن الأمور يمكن أن تسوء إذ إنها قد تثير موجة احتجاجات جديدة.“
وفي دراسة أصدرها الشهر الماضي بناء على طلب الحكومة اللبنانية قال كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي جابريس ايراديان إن أي اتفاق بين لبنان و صندوق النقد سيمهد الطريق أمام مساعدات مالية من مصادر أخرى، مشيرا إلى أن برنامج صندوق النقد قد يمتد لمدة ثلاث سنوات ويشمل مساعدات فنية وتقنية ومالية يمكن أن تصل إلى 8 مليارات دولار خلال تلك الفترة.
وقال ايراديان إنه ”من المرجح أن يؤدي برنامج صندوق النقد الدولي إلى توفير الإطار اللازم للإصلاحات المالية والاقتصادية ومحاربة الفساد وتحسين بيئة الأعمال، كما يمكن أن يفتح الباب أمام تدفق معونات مالية بمقدار 3 مليارات دولار من مصادر دولية أخرى إلى جانب مبلغ 11 مليار دولار مشروط بتنفيذ إصلاحات اقتصادية.“
وأظهر تقرير أخير لبنك لبنان (المصرف المركزي) أن الدين العام قفز بحوالي 23 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية بمعدل 4.6 مليار دولار سنويا نتيجة الهدر المالي و تراكم العجوزات في الميزانية العامة.
وأفاد التقرير بأن إجمالي الدين بلغ 135 ترليون ليرة (90 مليار دولار) بنهاية نونبر الماضي مقابل 100 ترليون ليرة (67 مليار دولار) بنهاية عام 2014.
وعكس بيان صدر عن مكتب رئيس الوزراء حسان دياب الاثنين، فإن هناك حالة من العصبية والارتباك في الأوساط الرسمية الساعية لإخراج لبنان من أزمته، واصفا الصحافة وتصريحات بعض المسؤولين ب ”الأوركسترا“ التي تسعى إلى التحريض.
وقال المكتب إنه ”مرّة جديدة، تلجأ الأوركسترا نفسها إلى التزوير واجتزاء الحقائق للتشويه والتحريض. وللأسف، فإن البعض ينجرف طوعاً أو جهلاً، فيُصدر مواقف تدلّ عن سوء نيّة أو عن تواطؤ أو عن ببغائية في ترداد ما يسمع من دون أن يقرأ.“
وتابع أن ”رئيس مجلس الوزراء صارح المواطنين بواقع وحقائق عن النظرة إلى الدولة، لكنه قال بالفم الملآن تكراراً وإصراراً، إنه سيحمل مع الحكومة كرة النار، وإنه مصمّم على معالجة المشكلات المزمنة وعلى الانتقال بلبنان إلى مفهوم الدول“.
وأنهى المكتب بيانه بالقول إن ”الأوركسترا نفسها يبدو أنها انتبهت أن مفهوم الدولة لا يناسبها لأنها تريد الاستمرار بتدمير ما تبقى من ركائز الدولة كي تحمي نفسها وتستبيح البلد، لكن دولة القانون ستقوم حتماً، دولة المواطن الذي يدفع اليوم ثمن تدمير الدولة.“
المصدر: الدار– وكالات