الدار/ رضا النهري:
ربما علينا أن نشكر الأقدار الإلهية التي خولت لنا مثل هذه الفرصة المثالية لكي نواجه فيروس “كورونا” بكثير من الصرامة والانضباط. فلا يمكن ان توجد فرصة أفضل من شهر الصيام لكي نكون في مواجهة مباشرة مع هذا الفيروس الشرس الذي نغص على البشرية حياتها.
في الايام العادية، يشكل رمضان فرصة لا تعوض للناس لكي يجعلوا منه مناسبة اجتماعية بامتياز، ففي النهار يتحولون إلى زبائن شرهين للأسواق والمجمعات التجارية، وفي فترة ما بعد المغرب تتحول المساجد إلى خلايا نحل حقيقية، ثم يأتي الدور غلى المقاهي والساحات والشوارع ومراكز التسوق.
ربما تكون تلك العادات، باستثناء قصد المساجد، دخيلة على شهر رمضان، الذي سن في الاصل من اجل اهداف مختلفة تماماً، فهو ليس أبدا شهرا للأكل، ولا هو شهر السهر في المقاهي والتجوال في الشوارع، بل هو شهر روحاني بامتياز، يعيد المسلم، ولو لشهر واحد في العام، إلى التقرب من ربه والتأمل في أسرار وجوده والبعد عن الشهوات المادية من مأكل وشراب ومتع حسية.
من أجل كل هذا يبدو مناسبا جداً لنا خلال هذه الأيام المباركة أن نعود إلى الالتحام مع الفضائل الحقيقية لهذا الشهر، وننسى أن فيروس “كورونا” هو من أجبرنا على ذلك، ونجعل من بيوتنا مراكز للتعبد والتأمل، لأن الأقدار الإلهية منحتنا هذه الفرصة الاستثنائية لكي نقطع مع سلوكيات وعادات سيئة جداً تراكمت مع مرور السنوات وجعلتنا نعتبر رمضان شهر الأكل والإسراف والسهر.
كان من اللازم أيضاً، أن تكون هناك المزيد من الصرامة للتعامل مع الحجر الصحي بأفضل وجه، لذا جاء قرار حظر التجوال الليلي في موعده تماماً، وكل أملنا أن يقترب العيد لنجعل منه عيدين، عيد الفطر وعيد الانتصار على الفيروس، وحتى لو طال الحجر قليلا، فإن ذلك سيكون ربحا للمستقبل، مع تكرار النصيحة التي تعتبر مفتاح نصرنا المقبل، وهو المزيد من التضامن والمزيد من التبرعات، ومن دون ذلك قد يستأسد لينا الفيروس مجددا.