فن وثقافة

كتاب “بابلو إسكوبار والدي”.. الدار تقدم النسخة العربية (الحلقة 17)

الدار/ ترجمة: حديفة الحجام

إحلال السلم مع "الكارتيلات" (10)

– وما دام أنه كان يتوجب عليها إمساك الثور من قرنيه، لم تتأخر والدتي في الاجتماع بدييغو موريو، "بيرنا"، بطلب من كارلوس كاستانيو الذي دعاهما إلى منزل بتلة يطلق عليها "لوس بالسوس" في ميديين، غير أن ذلك اللقاء الأول خرج بنتيجة سيئة لأن "بيرنا" عيّرها بالزواج من بابلو، فما كان منها إلا أجابته بعبارات قاسية أدت إلى تعليق الاجتماع، فهي لم تعد تتحمل تهديدات رجال المافيا وإهاناتهم وتحرشهم.

–سيدي، أنا سيدة محترمة وأنت لن تقوم بشتمي ولا بتعنيفي أكثر. لست مجبرة على أتحمل كلماتك المنحطة بينما يحترمني بقية أصدقائك. أسد لي معروفا من فضلك واحترمني، ولا تكن فظا غليظ القلب معي.

اتصل بها كاستانيو في تلك الليلة وأوضح لها أن "بيرنا" كان غاضبا ولا بد من تهدئته بسرعة.

–سيدة فيكتوريا، هذا الرجل شجاع، وأتفهم أنه استفزك بقول أشياء سيئة لك، لكن اعلمي أنه شخص سيء للغاية ومن الضروري منحه هدية إضافية يهدئ بها من روعه.

كاد الحادث أن ينتهي نهاية مأساوية لولا أن والدتي في الاجتماع التالي المنظم من طرف كارلوس كاستانيو أيضا كان منحت "بيرنا" شقة فاخرة واعتذرت منه. وبتلك الطريقة فقط أمكنها مواصلة التفاوض بخصوص بقية الممتلكات.

وخلال إقامتنا بـ "سانتا أنا"، كان من الطبيعي أن يأتي أحدهم ليسأل عن والدتي ويأخذها لاجتماعات إضافية مع زعماء كارتيلات كانوا يعيشون في العاصمة أو يمرون منها. وفي بعض الأحيان كانت تلك اللقاءات تعقد في منازل قريبة في نفس الحي حيث كنا نعيش؛ وقد كان واضحا أنهم كانوا يستغلون وحدتها ليطلبوا منها المزيد من المال واللوحات والأشياء الأخرى. كما كانوا يدعونها لمعاقرة كؤوس الويسكي إلا أنها كانت تعتذر عن ذلك وهو ما لم يكن يرقهم. من الواضح أنهم كانوا يريدون التحرش بها، وربما نظروا إليها بوصفها جائزة من جوائز الحرب. ولحسن الحظ كان عمي فيرناندو قريبا في تلك اللحظات وتدخل بكثير من الحنكة لتجنب كثير من المضايقات.

غير أن المفاوضات الأكثر تعقيدا والتي وجدت والدتي نفسها مضطرة لخضوها في تلك الفترة، كانت مع "تشابارو"، قائد جماعة شبه مسلحة وتاجر مخدرات متجبر في منطقة "ماغدالينا ميديو"، وكان عدو والدي اللدود. وبترخيص من النيابة العامة، أقلها كارلوس كاستانيو على متن سيارة مرسيديس بنز مصفحة إلى مطار "غايمار"، شمال بوغوتا، حيث ركبا في مروحية نقلتهما إلى ضيعة على حدود "كالداس" و"أنتيوكيا". وكشف لها كاستانيو خلال الرحلة تفاصيل كنا نجهلها عن موت والدي.

–سيدتي، كنا محبطين نحن جماعة "لوس بيبيس". لقد قتلنا تسعة وتسعون في المائة من رجال بابلو في الشارع ومع ذلك لم نتمكن من الوصول إليه. كدنا نستسلم مع اقتراب شهر دجنبر لعلمنا بصعوبة المهمة في تلك الفترة، حتى أن بعض أهم عناصر "لوس بيبيس" بدأوا يؤكدون أنه في حال لم تظهر نتائج ملموسة في شهر دجنبر فكانوا سيتركون المطاردة. وكما لو أن ذلك كان قليلا، فقد وضع لهم عقداء شرطة "كتلة البحث" مهلة محددة.

أنصتت أمي بصمت لاعتراف كاستانيو:

–سيدتي، لتحديد موقعه كان علينا أن نستقدم من فرنسا جهازا متقدما للتنصت على المكالمات، لأن أجهزة الأمريكيين الشماليين لم تكن فعالة.

–من قتل بابلو في الحقيقة؟ –تساءلت والدتي.

–أنا شاركت شخصيا في العملية الأخيرة. كانت الشرطة ترسلنا دائما في مقدمة العمليات. و كانوا في تلك اللحظة ينتظرون في منطقة "أوبيليسكو". وبعدما قتلنا بابلو اتصلنا بهم. سمع بابلو الضربة الأولى بالمطرقة التي حاولنا بها كسر الباب فما كان منه إلا أن ركض حافيا إلى الطابق الثاني باستعمال أدراج مباشرة. أطلق عدة طلقات بمسدس "سيغ ساور"، اثنان منها ارتطمت بسترتي الواقية فسقطت على ظهري. كان "ليمون" صريعا في الحديقة الأمامية للمنزل. واستغل بابلو لحظة لم يكن أحد يركض خلفه فيها وفتح نافذة وهبط عبر سلم حديدي سبق ووضعه هناك ليهرب منه، ثم وصل إلى سقف البيت المجاور، غير أنه لم ينتبه إلى أن بعض رجالي وصلوا إلى هناك فحاول العودة. في تلك اللحظة بالذات تلقى طلقة من بندقية اخترقت كتفه من الخلف، بينما سدد له سلاح آخر رصاصة على ركبته. أطللت في تلك اللحظة من النافذة التي قفز منها ورأيته قد فارق الحياة.

لم تجد والدتي الوقت للتعليق على الرواية التي استمعت لها للتو، لأن المروحية التي كانت تقلهما حطت على أرضية مكشوفة يقف فيها مائتا رجل مسلحين ببنادق أحاطوا بالقائد "تشابارو" الذي توجه إلى والدتي بعدما حيا كاستانيو بحرارة.

–صباح الخير سيدتي، أنا القائد "تشابارو"، أقدم لك ابني. زوجك قتل ابني الآخر وشن علي ثلاث عمليات نجوت منها بأعجوبة.

–سيدي، أنا أتفهم الوضع جيدا لكن لم تكن لي علاقة بالحرب من قريب أو من بعيد؛ كنت مجرد زوجة بابلو وأم لأبنائه. أخبرني الآن، ماذا علي فعله لعقد السلام معك؟ –أجابته والدتي.

كان التفاوض مع القائد "تشابارو" عويصا للغاية. وأتذكر أن والدي كان يضحك حينما كان يخبره رجاله أنهم فشلوا في محاولة جديدة لاغتياله. ولقد بلغ الأمر أن قصموا سيارته وقاربه إلى نصفين باستعمال قنابل شديدة الانفجار ومع ذلك لم يمت. وفي الأخير قال والدي بعد أن استسلم في النهاية إن له حيوات أكثر من قط.

حدث ذلك في نهاية الستينات حينما كان "تشابارو" رجلا من أصول قروية، افترق مع والدي لأسباب لا أعرفها بالتفصيل، لينتهي به المطاف بالتحالف مع هينري بيريث، أحد أول زعماء المجموعات شبه العسكرية في "ماغدالينا ميديو". عندها أعلن والدي الحرب على "تشابارو" لتحالفه مع بيريث وعلى هذا الأخير لأنه لم يعطه المال لتمويل كفاحه لمنع تسليم المجرمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وفي النهاية، اغتال قتلة والدي بيريث، أما "تشابارو" فلم يتمكن من إزالته إلى يوم أن مات.

مرت عدة ساعات من المفاوضات العسيرة انتهت بتوصل والدتي و"تشابارو" إلى اتفاق لحل كل الخلافات. سلمناه عدة ممتلكات منها ضيعتين بلغت مساحتهما أربعمائة هكتار، مخصصة لاستخراج المعادن وتربية المواشي. كما حصل أيضا على محطة التزود بالكهرباء في ضيعة "نابوليس"، والتي استحوذ عليها "تشابارو" بعد مدة لأنه كان من القوة لدرجة أنه كان بإمكانه إزالة الشعب بأكمله عن طريقه. وقد طلبت منه والدتي أن يأخذ ما يشاء من الضيعة لأننا نعد نعتبرها في ملكيتنا.

ومن باب إسداء خدمة، طلبت والدتي من كارلوس كاستانيو تحديد مكان أجساد خمسة عمال على الأقل ضمنهم جسد مدرّسة ومربية مانويلا، اغتالهم "لوس بيبيس" واختفوا في المرحلة الأخيرة من الحرب، حينما كان والدي وحده تقريبا وكنا نحن مختفين في شقة في مبنى "ألتوس" بميديين. وأجابها كاستانيو أنه ليس من السهل العثور عليهم، لأن "لوس بيبيس" أخفوا أزيد من مائة شخص ولا يتذكر بالتحديد أين دفنوهم.

–سيدتي، إيجاد أولئك الأشخاص أمر شبه مستحيل، فقد دفنّا أكثر الأشخاص من دون وضع تعريف لهم في مقابر مختلفة، مثل مقبرة "سان بيدرو".

عند انتهاء لقاء والدتي بالقائد "تشابارو"، تصافح الاثنان وسمح لها هو بالعودة إلى ضيعة "نابوليس" في أي وقت شاءت، ما دامت أنها كانت ما تزال تحت يد النيابة العامة.

عادت والدتي إلى بوغوتا من جديد بعدد أعداء أقل، وهو ما أتاح لنا أن نعيش أياما من الهدوء كانت تتقطع بسبب الزيارات غير المتوقعة التي كانت تحصل بين الفينة والفينة، كما هو الحال بالنسبة لمحام جاء إلى مبنى "سانتا أنا" وقال إنه من طرف الأخوين رودريغيث أوريخويلا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرين + 17 =

زر الذهاب إلى الأعلى