الرأيسلايدر

لا خير فينا إذا لم نحم أطفالنا من العنف

بقلم : يونس التايب

لا يزال العنف في الوسط الأسري، سواء بين الأزواج، أو ذلك الذي يستهدف الأطفال، حقيقة مرة و مؤسفة في واقعنا. والأمر يحتاج منا إلى وعي حقيقي و إرادة في التصدي له بحزم، عبر سن قوانين أكثر صرامة و اعتماد سياسات عمومية تنشر الوعي وتحفظ الكرامة، وتعالج بعض الأسباب التي تؤدي إليه.

قبل الوباء، و غير ما مرة، نشرت وسائل الإعلام أخبارا عن وجود مآسي يتعرض لها أطفال صغار لا حول ولا قوة لهم، إما عنفا أو متاجرة بهم وبأجسادهم. وقد كتبت أبحاث عن هذه الظاهرة، وارتفعت أصوات تستنكر تطبيع الناس مع الأمر وكأنه شيء عادي، بينما هو فظاعة إنسانية و أخلاقية لها أثار مدمرة على نفسية الضحايا، كما لها تجليات عديدة يزيدها الفقر والتهميش قسوة.

وإذا كان استهداف أي طفل بأي شكل من أشكال العنف، وتعريضه لممارسات حاطة من الكرامة أو الاعتداء عليه جسديا، أمرا مرفوضا يستدعي تطبيق القانون بقوة ضد من تورط فيه، فإن استهداف طفل معاق أمر لا يحتمل و لا يجب أن يمر بدون تدخل السلطات العمومية لحماية الطفل الضحية.

قبل يومين تداول رواد مواقع التواصل الإجتماعي بحسرة كبيرة، فيديو يوثق لعنف امرأة ضد طفل معاق، يبدو أنه ربيبها، ابن زوجها. ويبدو أن المنظر كان قاسيا بشكل كبير ومقزز ينم عن عمق لا إنساني عنيف يسكن الجانية. وقد أجمعت كل التعليقات على رغبة في أن تمتد الروح التي لمسناها على كل مستويات الفعل العمومي، وما شاهدناه ونشهد به من حرص على تطبيق القانون و مسارعة المصالح العمومية إلى ضبط المخالفين والمستهترين والعابثين، لتشمل كذلك حالة السيدة التي ظهرت في الفيديو المشار إليه.

والأمل كبير في أن ترد علينا أخبار رسمية عن اعتقال المعنية بالأمر، و تقديمها للنيابة العامة لإجراء البحث و اتخاذ ما يترتب عن نتائجه أما القضاء، حتى تكون عبرة لسواها ممن تدفعهم ساديتهم لتعنيف أطفال آخرين، خصوصا ونحن في أجواء الشهر الفضيل بما فيه من واجب التآزر والتضامن والسعي للخير، إضافة إلى جو حالة الطوارئ الصحية والحضور القوي للمصالح العمومية المختصة ببلادنا في تدبير واقعنا اليومي بشكل إيجابي خلف ارتياحا ملحوظا.

لكن، بمعزل عن الحالة المؤلمة التي وثقها الفيديو المشار إليه، والتي أتت لتذكرنا بأن عملا جبارا لا زال ينتظرنا لنوقف معاناة أطفال لا زالوا يئنون تحت وطأة العنف، إما في أوساط عائلية بئيسة أو في بيئة مجتمعية مهمشة، أعتقد بكل يقين أن ما نحن فيه من ديناميكية وطنية صادقة ومن تضامن مجتمعي كبير، يجب أن يكون حافزا قويا لنجعل من حماية الطفولة المغربية من كل مظاهر الظلم و العنف والتهميش، والاستغلال و المتاجرة التي لا زالت جاثمة على واقع كثير من أبنائنا، أحد أهدافنا الأساسية للمرحلة المقبلة. بذلك، فقط سنعزز روح مكتسبات التنمية البشرية التي نناضل من أجل ترسيخها منذ سنوات، من خلال برامج متعددة حققت تقدما مهما يحتاج أن نوسع أثره و مداه و عدد المستفيدين منه.

بدون شك، الأطفال هم أبناء هذا الوطن و عماد مستقبله. وهم عندما يتعرضون للعنف، يكونون ضحايا مجتمع قاس ومحيط غير مهتم، و ليس لهم من سند يحميهم، بعد الله سبحانه وتعالى، سوى دولتنا ورجالاتها الذين نفتخر بوقوفهم إلى جانب الحق والقانون وحرصهم على قيم إنسانية راسخة.

وحيث أنه ليس هنالك أقوى من صرخات طفل مظلوم معنف في هذه الدنيا، و لا أكبر منها مدعاة للتدخل وتقديم الحماية والرعاية، تظل مسؤوليتنا الجماعية كبيرة في أن نرفع من يقظتنا و من قدرتنا على رصد كل الاختلالات الاجتماعية كي نحاصر جيوب البؤس والتهميش، و نحمي فلذات أكباد الوطن من أي عنف أو استغلال قد يتم في صمت و بعيدا عن الأعين.

و إذا كنا متفقين على أن الدولة المغربية، من خلال ما أبلته من بلاء حسن في تدبيرها لجائحة كورونا، قد جددت التأكيد على خصوصيتها كدولة اجتماعية تحمي القانون و الحقوق والحريات، وتحرص على مواطنيها الذين يحتمون بها، فإن الأكيد أن المرحلة القادمة يجب أن تشهد تطبيقا للقانون، بقوة وبسرعة أكبر، ضد كل من تسول لهم أنفسهم المريضة الإعتداء على أطفالنا، و تعريضهم للظلم والاستغلال كيفما كان نوعه. ذلك واجب سياسي و أخلاقي، و هو أيضا ركيزة أساسية لإعادة بناء آليات الحماية الاجتماعية للفئات الهشة، وخاصة الأطفال والشباب، عبر ضمان السكينة الوجدانية والحق في الأمان وفي حفظ الكرامة في إطار دولة وطنية ترعى أبنائها وتعمل على حمايتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى