الدار/ رضا النهري:
اكتسبنا، خلال سنوات طويلة، عادات تسوق غريبة في رمضان، عبر شراء كل شيء تقع عليه عيوننا، تطبيقا لنظرية “العين تشتهي قبل البطن”، وصرنا نبذة الكثير في شهر كان من المفترض أن يكون شهر تقشف في المصاريف، وشهر فائض في التقوى والعبادة، لكن حصل العكس، وبتنا نرمي في براميل القمامة كل مساء أكثر ما نشتريه.
عادات التبذير التي اكتسبناها على مدى سنوات، حتى صارت جزءا لا يتجزأ من شهر الصيام، لم نكن نتوقع أن تأتي ظروف خاصة لكي تبعدها عنا، وهذا ما فعله فيروس “كورونا”، الذي كان أفضل مرب لنا في هذا المجال، فأعادنا إلى الأصل، أي أن شهر الصيام يجب أن يكون شهر صيام، لا شهر تسوق وتبذير وملأ براميل القمامة بكميات هائلة من الطعام غير المستهلك.
وحده الفيروس كان قادرا على عقابنا، لأننا لم نكن لنرتدع لولاه، وها هم الناس في الأسواق يفكرون ألف مرة قبل أن تمتد أيديهم إلى منتوج ما، وعادة ما يسجلون مشترياتهم، بدقة متناهية، في المنزل على ورقة، حتى لا يختلط حابلهم بنابلهم في الأسواق، التي لا يزورونها إلا مرة أو مرتين في الأسبوع، على أكثر تقدير، وطبعا فإننا نتحدث هنا عن العقلاء.
لم يكن الحجر الصحي الذي فرضه علينا الوباء وحده سببا في عودتنا إلى المنطق السليم في التسوق، فقد لعبت الظروف المالية لعدد كبير من الأسر دورا كبيرا في ذلك، لأنه لم يعد من الممكن التصرف وكأننا في زمن بحبوحة مالية تسمح لنا بشراء كل شيء نريده، فتخلينا عن أشياء كثيرة، تأكد لنا بالملموس أننا لن نموت جوعا إن استغنينا عنها.
ما نتمناه اليوم هو أن نبقى على هذه الحال حتى بعد رحيل الفيروس، بحيث نعود إلى روح رمضان وهو أنه شهر صيام لا شهر طعام، وشهر تأمل وعبادة لا شهر سهر وتسكع. وربما يجب أن نحمد الله لأن هذا الوباء حل بنا في رمضان، لأنه علمنا الكثير من الدروس التي كان من الصعب أن نتعلمها في الأيام العادية.