الدار/ رضا النهري:
قبل بضعة أيام توفيت عاملة في السكك الحديدية البريطانية، تدعى بيلي موجينغا، (47 عاما)، بعد أن بقيت في غرفة الإنعاش منذ أسابيع، حيث أصيبت بالوباء بعد أن بصق عليها شخص خلال مزاولة عملها، والذي كان مصابا بالفيروس،
وفاة موجينغا خلفت استياء كبيرا في المملكة المتحدة، ليس بسبب الوفاة في حد ذاتها، لأن أعداد الوفيات بعشرات الآلاف، بل بسبب الطريقة التي أدت إلى وفاتها، والتي تدل على عدوانية غريبة من أفراد ينتمون الى شريحة من المجتمع، يمارسون دورا لا يستطيع حتى الشيطان أداؤه.
ما حدث في بريطانيا، سبق أن شاهده الناس، قبل عدة أسابيع، عبر شريط فيديو في مترو للأنفاق بالعاصمة البلجيكية بروكسل، حيث يظهر شخص يبدو أنه مصاب بالفيروس، والذي كان يبلل يديه بلعابه ثم يمرره على الأعمدة الحديدية بالمترو، والتي يندر أن يمر منها الركاب دون لمسها، والهدف كان واضحا، وشيطانيا أيضاً، وهو إصابة أكبر عدد من الناس بالعدوى.
وفي إسبانيا، تداولت وسائل إعلام محلية ظاهرة مثيرة وهي قيام مصابين بالفيروس بتلطيخ أبواب السيارات ومداخل العمارات باللعاب، رغبة منهم في إيقاع الأذى بأكبر عدد ممكن من الناس، بالإضافة إلى قيام عدد من السكان بطرد أطباء وممرضين من مساكنهم لأنهم يشتغلون ليل نهار في مستشفيات تعج بالمصابين بفيروس “كورونا”.
هذه المظاهر، وغيرها كثير، لا تقتصر على المناطق والبلدان التي ذكرنا، بل هي موجودة في كل بلدان العالم، والتي تدل على أن المجتمعات، سواء كانت متحضرة أو متخلفة، تعج بالمرضى الحقيقيين، ليس مرضى فيروس كورونا، بل مرضى أسوأ حالا بكثير، الذين يحتاجون إلى علاج نفسي طويل الأمد، وربما يكون أوان علاجهم قد فات ولا أمل،بالمرة، في شفائهم.
والمثير أنه بينما يضحي عشرات الآلاف من الأطباء والممرضين والمتطوعين بحياتهم في المستشفيات في مختلف بقاع العالم، فإن هذا الطابور الخامس من المرضى النفسانيين يقدم صورة مخجلة عن طبيعة السلوكات البشرية، التي يمكنها أن تصل إلى الحضيض في أسوأ فترات المعاناة الإنسانية.
من حسن الحظ أن من يقومون بتلك السلوكات المشينة أقلية، لكن المشكلة هي أن الأقلية هي من تتحكم في مصير الأغلبية في هذه الظروف العصيبة.