تخوض اليوميات الوطنية، كلما حل الشهر الفضيل، تجارب جديدة في التعاطي مع القراء، لكن الوضع اختلف تماما خلال هذه السنة، باحتجاب النسخ الورقية تماشيا مع التوجه المتعلق بالحد من انتشار كوفيد 19، فتم الاستنجاد بعالم الرقمنة ، الذي وفر لهاته اليوميات مساحات مغايرة من أجل الاستمرار في التواصل مع قرائها.
وإذا كانت اليوميات الوطنية تراهن على تحقيق مبيعات أكثر بشأن نسخ الورقية، عبر كسب ود مزيد من القراء طيلة السنة عامة وخلال الشهر الفضيل خاصة، فإن الانتقال إلى النسخ الإلكترونية، شكل بالنسبة لها تحديا إضافيا مادام هذا العالم يعج بسيل من المنشورات التي تتنافس فيما بينها لتحقيق أكبر نسبة من الاطلاع على منتوجها واستهلاكه.
وضمن هذا السياق تضطلع الملاحق أو المواد الرمضانية، التي تعد فضاء إضافيا للتفاعل مع القراء، بدور مهمم في توسيع مجال القراءة، بل تسمح بتحقيق الفارق، لأنها تشمل العديد من المواد التي تختلف تماما عن المعتاد، ما دامت تركز على التناول العميق لأحداث ووقائع وقضايا مشوقة.
ويبدو أن فائض الزمن الذي يوفره الحجر الصحي، مدعوما بخصوصيات الشهر الفضيل، قد منح فرصة ثمينة للقراء كي يطلعوا على منتوج إعلامي متنوع وأكثر تشويقا، متاح على مستوى العالم الافتراضي الذي تنغمس فيه فئات عريضة جدا من المجتمع حد الهوس .
ومن أجل تسليط الضوء على القيمة المضافة لهذا الانتقال الى النسخ الإلكترونية الذي فرضه الفيروس التاجي وقيمة المواد المنشورة خلال الشهر الفضيل، استقت وكالة المغرب العربي للأنباء، تصريحات مسؤولين ببعض اليوميات الوطنية، في مسعى للتوقف عند خصوصيات هذه التجربة المرتبطة بأزمة يقال عنها إنها صحية ، لكن واقع الحال هو أنها تضرب بقوة مختلف مناحي الحياة .
وفي هذا السياق اعتبر حسن العطافي رئيس تحرير صحيفة ” الصحراء المغربية “، أن هذه الصحيفة شهدت عدة متغيرات ترتبط في المجمل بما يشهده العالم في الوقت الراهن، وخضوعه لأحكام فيروس كورونا المسجد كوفيد 19.
في البدء، كما قال العطافي، كان الانتقال إلى إنجاز الصحيفة عن بعد منذ منتصف مارس الماضي، أي قبل فرض الطوارئ الصحية بخمسة أيام، و”كنا في تلك الفترة نصدر ما يشبه عددا خاصا بكوفيد 19، وتأثيره على مختلف الأنشطة ومجالات الحياة “.
وبعد أن لفت إلى أن العمل عن بعد لم يكن صعبا، بالنظر لما جرى توفيره من وسائل للعمل، أبرز أن ذلك ” مكننا من دخول التاريخ بكوننا ننتمي إلى أول جيل إعلامي مغربي ينجز صحيفة ورقية عن بعد، وهو ما عبرت عنه في إحدى الافتتاحيات بـ (ضاقت بنا الجغرافيا فدخلنا التاريخ) “.
وحسب العطافي، فإن إيقاع أسلوب عملنا عن بعد لم يتغير في الواقع، بعد أن تقرر تعليق طبع الصحف الورقية، حيث تواصل العمل بالإيقاع وبالحماس نفسيهما، مع “الحرص على عدم توجيه الصحيفة إلى القارئ إلا بعد أن نحيط بكل الأخبار، وأيضا بعد تغطية كل الأحداث، لذلك كنا نقفل العدد متأخرين .”
ومع اقتراب شهر رمضان، يضيف العطافي، عدنا للحديث في لقاءات افتراضية عما سبق أن تداولنا فيه خلال اجتماعات التحرير في شهر رمضان، والجديد بالنسبة لليومية هو تخفيض منسوب حضور كوفيد 19، والعودة بنسبة معينة إلى العادات القديمة، والمتمثلة بالإحاطة بكل جوانب الحياة، ومنها تقديم أطباق إعلامية خاصة بشهر رمضان المبارك رغما عن كوفيد.
وخلص إلى أن عرض هذه السنة جاء مختلفا، إذ لم يتم إصدار ملحق خاص برمضان “بل أحدثنا تغييرا على الصفحات وتكفل كل قسم بعرض ما أنجزه، وفق ما جرى التوافق عليه في الصفحات الخاصة به”.
وسبب هذا التغيير، كما قال، هو تفادي الارتباك وما يتطلبه الأمر من تنسيق قد لا يخلو من تعثرات، مشيرا إلى أنه يحبذ عدم تغيير تبويب الصحيفة، خلال شهر رمضان، ثم العودة إلى التبويب العادي، قبل التغيير من جديد في فصل الصيف، “لأنني أفترض أن كثرة التغيرات فيها تشويش على القارئ” كما قال .
ومن جهته قال حكيم بلمداحي مدير التحرير (الأحداث المغربية)، إن هذه اليومية، أفردت كعادتها كل سنة، ملحقا رمضانيا متنوعا تميز بالغنى المعرفي والارتباط بالمرحلة التي تعيشها بلادنا مع جائحة كورونا.
وتماشيا مع متطلبات هذه المرحلة، يضيف بلمداحي، يتضمن الملحق ركنا أطلق عليه “ابداعات من وحي زمن كورونا”، مع الإشارة إلى أن هذه النافذة تنفتح على كوكبة من الإبداعات الشعرية والقصصية المستوحاة من زمن وباء كورونا. وهي نصوص أدبية واكبت الجائحة واستلهمت الجو العام الذي فرضته على الناس.
وتابع أن هذه النافذة تبين أيضا قدرة الأدب الخلاقة على تحويل النوائب والجوائح والفواجع والملمات الكبرى إلى مادة إبداعية تغني المتخيل الإنساني، وتخفف من غلواء الاحداث المأساوية، وتبث حس المقاومة وتشيع روح الأمل.
وفي الاتجاه ذاته، هناك ركن آخر يحمل عنوان “من تاريخ جوائح المغرب المنسية”، وهو كما قال بلمداحي ، زاوية تسلط الضوء على عدد من الأوبئة في مختلف العصور، لافتا إلى أن ( الأحداث المغربية ) تفتح من خلال هذه الزاوية صفحات منسية من جوائح وأوبئة الماضي السحيق التي واجهها أسلافنا بصبر وتحد وثبات.
وفي سياق متصل أبرز أن هذه المواد أظهرت أن تفشي الجوائح وسنوات المجاعات والقحط خلف خرابا بالغا ونزيفا بشريا ترك ندوبا عميقة في الذاكرة المغربية، يعكسها الخوف والتوجس وقسوة الموت الذي أعقب سنوات الطاعون والكوليرا والجذام والجذري والتيفويد والقحط والجراد… لكن للأسف، كما قال ، تبقى أزمنة الأوبئة والمجاعات، تاريخا منسيا، ومجرد قضايا مغمورة أو هامشية في تاريخ المغرب، والأبحاث والدراسات حولها جد نادرة، كما أن المصادر التاريخية تعاني شحا كبيرا وثغرات وتشتتا، ليس من السهل جمعها وتنسيقها، حيث تقتصر على إشارات ونتف متفرقة.
وينضاف إلى ذلك ركن “ديانات خارج المألوف”، والذي يرصد مختلف الديانات في جميع أنحاء العالم، والتي يشكل المؤمنون بالديانات التوحيدية الثلاثة أغلبية أتباعها، وهي الأكثر انتشارا في العالم.
لقد شكل الشهر الفضيل دوما بالنسبة لليوميات الوطنية، مناسبة للدفع بعجلة التواصل والتفاعل مع القراء ، ما دام الأمر يتعلق بتكريس تقليد ، سمح بمراكمة تجارب مكنت من تحقيق إنجازات إعلامية رصينة، من قبيل نشر كتب في شكل حلقات، واستعادة حوادث شغلت بال الناس ، علاوة على إفراد مساحات إضافية تشمل الفائدة والتسلية ، وطبعا استقطاب قراء كثر.
فالتعاطي مع تجارب النسخ الإلكترونية، إذا طال أمدها الزمني ، قد يجعل التفكير في ممارسات إعلامية مغايرة أمرا لا مفر منه ، ولعل فترة الشهر الفضيل تشكل تمرينا لأخذ الدروس والعبر ، ربما من أجل رسم ملامح المستقبل ، سواء تعلق الأمر بالنسخ الورقية أو النسخ الإلكترونية .