أدوار حسن حسني الخالدة طوال نصف قرن ليست كوميدية وحسب..
عن يتيم الأم الذي فقد ابنته بسبب السرطان
وفاة حسن حسني المفاجئة أحزنت جيلاً ضحك كل مرة على إيفيهات أدواره الكوميدية، حتى تحولت إلى ميمات مشهورة على الشبكات الاجتماعية، لكن أدوار حسن حسني لم تقتصر على الكوميديا، وحياته لم تكن سعيدة دائماً، إذ شهدت محطات أحزنته حتى قرر الاعتزال.
إذ برع أيضاً في أدوار الشر والاستغلال، مثل دوره في “سواق الأتوبيس”، والضابط القاسي في “البريء”، والمسؤول الحكومي الكبير في “زوجة رجل مهم”، والموظف البسيط في “فارس المدينة”، وغيرها من الأدوار التي جعلت لقبه بين زملائه “الممثل الطائر” لكثرة تنقله بين الأدوار المختلفة والمتناقضة وتأديتها ببراعة، رغم أن أغلب أدواره التي تتجاوز الـ200 لم تكن أدوار بطولة أولى، فما كان يهمه “أن يظل المشاهد يتذكره بعد العرض”، كما سنتذكره بعد وفاته.
وفاة حسن حسني
جاءت وفاة حسن حسني في ساعة مبكرة من صباح السبت 30 مايو/أيار 2020، عن عمر ناهز 89 عاماً، إثر إصابته بأزمة قلبية مفاجئة أدخلته العناية المركزة، يوم الجمعة، ثم فارق الحياة داخل المستشفى. وقد أصاب خبر الوفاة الوسط الفني بصدمة، حيث نعاه أغلب نجوم مصر عبر حساباتهم على الشبكات الاجتماعية، كما أحزن الخبر محبيه الذين أطلقوا وسماً باسمه جاوز التفاعل فيه 100 ألف تغريدة خلال ساعات.
حياة حسن حسني البسيطة.. وحزن الطفولة والكبر
وُلد حسني في حي القلعة بالقاهرة في العام 1931 لأب مقاول مبانٍ، لكنه تربّى يتيم الأم بعد وفاة والدته وهو في السادسة من العمر، حصل على شهادة التوجيهية وهو بعمر 28 عاماً، وذلك في عام 1959. لكنه خلال فترة دراسته بالمدرسة برزت لديه هواية التمثيل وتميز بها، وشارك في أداء أدوار مسرحية بالمدرسة، ومسابقات تمثيلية بين المدارس، واستمر حب التمثيل يجري في دمه حتى انضم إلى المسرح العسكري ثم المسرح القومي.
أما حياته الأسرية، فقد تزوَّج حسني مرتين، الأولى من سيدة خارج الوسط الفني اسمها “فاطمة” وأنجب منها ثلاث بنات، ثم تزوج من السيدة ماجدة الحميدة الزوجة السابقة للمخرج الراحل أشرف فهمي.
ومثلما حزن في طفولته على وفاة أمه حزن في كبره على وفاة ابنته رشا، بعد صراع مع سرطان الغدد، فقد ودَّعها في العام 2013، بعد سنوات قصيرة من احتفاله بزواجها، ودخل بعدها في أزمة نفسية جعلته يرفض أداء أدوار فنية عديدة، إذ كان لديه أمل في علاج ابنته، وظل يُرسل تقارير طبية لمستشفيات في ألمانيا ومصر حتى اليوم الذي توفيت فيه، وفق موقع صحيفة “الدستور” المصرية.
أبرز أدوار حسن حسني.. 58 عاماً من العطاء
رغم أعماله الكوميدية الممتعة مع علاء ولي الدين في “عبود على الحدود”، و”الناظر”، وأحمد حلمي في “ميدو مشاكل” و”جعلتني مجرماً”، ومحمد سعد في فيلم “كتكوت” و”اللمبي”، ومحمد هنيدي في “يانا يا خالتي”، وكريم عبدالعزيز في “الباشا تلميذ”، وهاني رمزي في “غبي منه فيه”، وحمادة هلال في “عيال حبيبة”، وغيرها من الأفلام، فإن حسني برع أيضاً في أداء أدوار جادة وشريرة، وكان تارة من رجال السلطة وتارة أخرى من الفقراء المعدمين.
كما تفوق على زملائه من نجوم البطولة المطلقة ونجوم الصف الأول بفضل تأديته أدواراً مثل “فيلم دماء على الأسفلت” عام 1992، ورغم ظهوره في مشاهد معدودة قياساً ببطل العمل نور الشريف فإنه سرق الأضواء منه، وكُرّم عن الدور في المهرجان القومي للسينما المصرية عام 1993، متفوقاً على نور الشريف (عن نفس الفيلم)، وأحمد زكي (عن فيلم ضد الحكومة) ومحمود عبدالعزيز (عن فيلم دنيا عبدالجبار)، وفق صحيفة “الشروق” المصرية.
بالرغم من أن بداياته السينمائية تعود إلى أوائل الستينيات، عندما شارك في فيلمي “الباب المفتوح” و”لا وقت للحب” عام 1963، فإن بدايته الحقيقية في السينما كانت بعد نحو عشرين عاماً، عندما أبدع في دور الشرير الذي تُحركه الأحقاد القديمة في صمت بفيلم “سواق الأتوبيس”، ثم الضابط الذي ينكل بالمعتقلين في “البريء”، رغم هيئته التي لا تُظهر هذا الجانب منه.
كما شارك المخرج محمد خان بدور الضابط الكبير، مساعد وزير الداخلية في فيلم “زوجة رجل مهم” مع الراحل أحمد زكي، وعاد لأدوار الشر مع المخرج عاطف الطيب في فيلم “الهروب”، حيث أدى دور ضابط داخلية ينصاع لمؤامرات ضابط تحت إمرته عاد من الولايات المتحدة، وتعجبه الخطط الشيطانية التي تتمكن الداخلية من خلالها من توجيه الرأي العام والتغطية على القصور بأدائها.
كما أدى دور الأب المصري المغلوب على أمره الذي يحارب مثل ملايين الأسر التي طحنتها التحولات الاقتصادية في “دماء على الأسفلت”، كما أدى دور الثري الذي يبحث عن فلسفة الحياة الهادئة السعيدة في “فارس المدينة”، وبرع أيضاً في تقديم دور الشيخ الكفيف الذي يصبح مطرباً مشهوراً، رغم إحباطات حياته التي ضمّت هجر زوجته له وزواجها من جاره في “ليه يا بنفسج”.
مع أدوار أخرى تُقدم فلسفة الحب والموت مثل “القرداتي”، و”عفاريت الأسفلت”، والقضايا الوطنية في “رأفت الهجان”، و”ليلة سقوط بغداد”، وأدوار أخرى فارقة مثل “حزمني يا”، و”بوابة الحلواني”، و”المغتصبون”، و”المواطن مصري”، و”ناصر 56″، والفيلم الذي عرض أن يشارك فيه ولو دون مقابل، وحصل على 5 جوائز بفضل دوره فيه “سارق الفرح”.
فعلى مدى أكثر من نصف قرن ضمّت أعمال حسن حسني نحو 200 فيلم، فضلاً عن مشاركاته الدرامية في عدد كبير من المسلسلات، وكذلك الأعمال المسرحية.
قَبِلَ أعمالاً لحاجته للمال، كما أنه لا يهتم بأدوار البطولة
أدوار حسن حسني لم تكن كلها بدافع حب الدور والقصة، فبعضها اضطرته ظروف الحياة لقبولها، واعترف بذلك سابقاً حين قال في تصريح نقلته صحيفة “المصري اليوم”: “ساعات أرفض عمل لأنه مش حلو، وأرفض العمل التاني لأنه مش حلو، مع الظروف المعيشية ييجي التالت أوحش من الأول والتاني وأقبله”.
كما أشار سابقاً إلى مبرّره عند لوم الناس له على مشاركته في أعمال دون المستوى بأنه يرغب في تأمين تكاليف المعيشة، وحينها أيضاً تحدث عن مشاركاته الأخيرة في عدد كبير من الأعمال الكوميدية بأنه يحب الكوميديا “المعتمدة على الموقف”، فضلاً عن حاجته لتأمين نفسه ضد تقلبات الحياة، كذلك تحدّث عن عدم مشاهدته لأغلب أفلامه.
وعموماً، فإن حسني لم يهتم كثيراً بأدوار البطولة، فكان ما يهمه هو أن يظل المشاهد يتذكره بعد عرض العمل بأداء مميز أو مشهد محوري.
التفكير في الاعتزال بعد وفاة علاء ولي الدين
بالنسبة لحسني فإنه كان يعتبر النجوم الشباب أبناءه، ويسأل عنهم ويسألون عنه باستمرار، لكنه أكد سابقاً أن أقربهم لقلبه كان الفنان الراحل علاء ولي الدين، ووصفه بأنه “ابني النقي الطيب”، وبعد وفاته أصيب بحالة اكتئاب شديدة، وفكّر في اعتزال الفن، لأنه اعتبر أن ابنه مات ولن يمثل مرة أخرى بعد وفاته، وسافر خارج القاهرة 3 أشهر بالفعل، ولولا دعم زملاء وأبناء كثر له وإقناعه بالعودة لما عاد للتمثيل.
تكريم متأخر أبكاه على المسرح
تكريم حسني جاء متأخراً قليلاً، وتحديداً في نوفمبر 2018، بمهرجان القاهرة السينمائي، حيث عبّر حسني عن انتظاره هذا التكريم قبل موته بينما تنهمر دموعه فور صعوده على خشبة المسرح، في الحفل الذي أقيم في دار الأوبرا المصرية في القاهرة، وقال حسني أثناء تسلمه جائزة عن مشواره الفني الطويل في السينما والمسرح والتلفزيون: “أنا فرحان أوي إنهم لحقوا يكرموني وأنا لسه عايش علشان أشوف التكريم بعيني”، رغم أن 5 أفلام شارك فيها أضيفت لقائمة أفضل 100 فيلم في السينما المصرية التي اختارها نقاد بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته العشرين (1996).
لقاء بالملكة
افتخر حسني بلقائه بالملكة فريدة، زوجة الملك فاروق، أثناء عرض مسرحي له في باريس، لتقديم مسرحية “إيزيس وأوزوريس”، إذ روى القصة في أعقاب التكريم بمهرجان القاهرة السينمائي: “عقب انتهاء العرض، صعدت الملكة فريدة لتصافحنا، وطلبت أن تتصور معي، ولم أصدق أن الملكة التي كنت أهتف باسمها وأنا طفل في ميدان عابدين تطلب أن تلتقط معي صورة”، ورغم ذلك لم يطلب الصور من الصحفية آمال بكير التي كانت معهم، وذلك لأنه كان لا يحب الظهور أو يبحث عنه.