قضية سليمان الريسوني تؤجج الانقسامات في الصف الحقوقي
الدار / تحليل
يلخص البلاغ الذي أصدرته جمعية عدالة من أجل محاكمة عادلة بخصوص قضية الصحافي سليمان الريسوني الموقف المتوازن الذي كان من المفترض أن يسود اتجاه قضية لا تزال مطروحة على أنظار الأمن والقضاء. يظهر هذا التوازن بوضوح في استنكار البلاغ لما سماه الحملة التشهيرية التي طالت طرفي القضية، وكذا المس بحياتهما ومعطياتهما الشخصية باستعمال “أساليب بذيئة من طرف بعض الجهات المعادية وبعض المغرضين”. لقد تنبهت جمعية عدالة في بلاغها إلى جانب جد مهم في مثل هذه القضايا كثيرا ما يضيع في زخم الضغط والضغط المضاد وفي خضم المزايدات الإيديولوجية التي تتصاعد من هذا الطرف أو ذاك.
هذا الجانب هو الذي أبرزته الجمعية بوضوح عندما نبهت إلى “ضرورة الالتزام بقواعد حماية الحق في الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية خصوصا من طرف الإعلاميين والصحفيين والحقوقيين”، داعية الطيف الحقوقي للالتزام بمبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا والقيام بأدواره في ملاحظة المحاكمة في كل أطوارها لرفع كل الملابسات والوصول إلى الحقيقة التي تبقى نسبية في غياب الاطلاع على المحضر وعلى تصريحات الطرفين ومناقشة الملف أمام القضاء والتي لا يمكن مناقشتها خارج أطوار ومراحل المحاكمة وأدوار دفاع الطرفين.
من هذا المنطلق لم يتردد البلاغ المذكور في المطالبة بإيقاف “الحملة الممنهجة التي تشن على المدعو “آدم” وتحاول أن تحجر على حقه في الانتصاف عن طريق الإعلان عن هويته وتوجهه الجنسي والترويج لخطاب الكراهية والتمييز والعنف والوصم الاجتماعي في مواجهته”. وبالنسبة لجمعية تهتم بشأن المحاكمات العادلة يعتبر هذا المطلب بمثابة ضرورة في محاكمة يطغى عليها الكثير من التوظيف السياسي الذي يمكن أن يطيح بالكثير من الحقوق الأساسية لأطراف القضية. غياب هذا التوازن هو الذي أفضى في اليومين الماضيين إلى خلق انقسام كبير في وسط الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان بخصوص موقفه من هذا الملف.
فقد انتقد مصطفى المانوزي، رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والانصاف، بلاغات الائتلاف المغربي لحقوق الانسان لاسيما الأخير منها الموجه للنيابة العامة حول اعتقال الصحافي سليمان الريسوني عقب شكاية تتهمه بهتك العرض والاحتجاز. كما عبرت مكونات جهوية في الائتلاف عن اعتراضها على البيان الصادر عن الكتابة التنفيذية للائتلاف تضامنا مع الصحفي سليمان الريسوني. وذكرت بعض الفعاليات الحقوقية المشكلة للائتلاف أن هذا البيان لم يكن له أي داعي وكان إصداره متسرعا مادامت القضية في طور التحقيق وأن الأصل هو البراءة.
وبررت هذه المكونات الرافضة للبيان موقفها بأن اللجنة المحدثة للتضامن مع الصحفي أغلب أعضاءها من مكونات الائتلاف والبيان الذي أصدرته كان كافيا. وبلغت حدة الانتقادات داخل الائتلاف درجة التشكيك في نوايا هذه اللجنة المحدثة للتضامن حيث اتهمتها بأن “لجن تتم على المقاس”. وفي هذا السياق اعتبرت مؤسسة عيون لحقوق الإنسان أن الائتلاف يشتغل بأرضية تنظيمية انتهت صلاحياتها منذ ثلاث سنوات ولم يتم احترام بنودها لعقد المجلس الموسع الذي من ضمن صلاحياته المصادقة على الأرضية التنظيمية. وأشار المصدر ذاته أنه لا يمكن مطالبة الغير باحترام القانون و”نحن لا نحترم التزاماتنا وأرضيتنا التنظيمية”. وتحول النقاش حول قضية سليمان الريسوني من مضمون التضامن إلى النقاش حول مدى شرعية الهيئات التمثيلية لمنظمات حقوق الإنسان، والتي يمثلها الائتلاف المغربي.
ومن المتوقع أن تفضي هذه الانقسامات بين الرفاق داخل جبهات حقوق الإنسان إلى تفجير الائتلاف بعد أن بدأت الدعوات تتصاعد من أجل المطالبة بعقد اجتماع للكتابة التنفيذية وتحديد موعد لعقد مجلس موسع انتخابي. هذه الحسابات الحقوقية والسياسوية هي التي تحول إذا قضايا الحقوق الأساسية للموقوفين إلى محطات للمزايدات والاستغلال.