هؤلاء هم رجالات المغرب في زمن كورونا
الدار / تحليل
لكل مرحلة رجالاتها، ولزمن كورونا رجالاته أيضا في المغرب. فقد كشفت هذه الأزمة الصحية غير المسبوقة المعدن الأصيل للمغاربة من الرؤساء والمرؤوسين، وأظهرت العمق المتلاحم للمجتمع، وعززت الثقة في المؤسسات والنخب السياسية والإدارية. لكن هذه الثقة لن تتعزز في كل هذه النخب، فمنها من برزت كفاءته وعطاءه أكثر من غيره في سياق جائحة كوفيد 19. وظهرت هذه الشخصيات المسؤولة بالنظر إلى ارتباطها بقطاعات استراتيجية لا غنى للمواطنين وللدولة عنها وعن سيرها بشكل عادي. فقطاعات الأمن والإدارة والإنتاج والصحة والتعليم، كانت أكثر المجالات التي حظيت بالمتابعة والاهتمام، وكذا بانتظارات المواطنين وتعلقهم بما يصدر عنها. وفي كل قطاع من هذه القطاعات أظهر الوزراء المسؤولون نجاعة غير مسبوقة.
فقد كان وزير الصحة خالد آيت الطالب على الرغم من حداثة تجربته السياسية أحد أكثر الوزراء مبادرة إلى قرارات حساسة وجريئة. هذا ما أظهره في بداية الجائحة عندما أكد مرارا أن المنظومة الصحية الوطنية، قادرة على التصدي للأزمة الصحية. لقد تهكم الكثير من الناس على تصريحه في بداية الجائحة بأن هناك دولا، ومنها دول أوربية، تريد أن تستفيد من تجربة المغرب. لكن الوقائع أظهرت بالملموس، أن المنظومة الصحية الوطنية استطاعت الصمود، واستجابت لانتظارات المرضى، وتمكنت من التحكم في الوباء، وأضحى المنحنى سائرا اليوم في اتجاه التسطيح. لكن أكثر القرارات جرأة هو ذلك المتعلق بالحفاظ على البروتوكول العلاجي القائم على “هيدروكسي كلوروكين” على الرغم من نصائح منظمة الصحة العالمية، وتوقف بعض الدول الأوربية عن الاعتماد عليه.
لكن المنظومة الصحية لم تكن لتثبت نجاعتها وفعاليتها، لولا ذلك التنسيق والانسجام الذي طبع عملها إلى جانب المصالح الأمنية والإدارة التربية. لقد تابع الجميع كيف كان أعوان السلطة ورجال الأمن والدرك يشرفون مباشرة على مجهود خرافي يتعلق بمتابعة المخالطين للمرضى ورصدهم واستدعائهم من أجل إجراء الفحوصات. وشاهد الكل بأم أعينهم كيف كان رجال الأمن يسهرون على احترام الحجر الصحي وتتبع المخالفين له واتخاذ الإجراءات التي ينص عليها قانون الطوارئ الصحية. لقد كانت مهمة شبه مستحيلة، أن تدفع شعبا كاملا إلى الجلوس في البيت لحماية صحته وصحة أبناء وطنه. لكن موظفي وزارة الداخلية، تحت إمرة الوزير عبد الوافي لفتيت في الموعد، بما قدموه ولا يزالون من تفاني ونكران للذات من أجل محاصرة الوباء والحد من انتشاره.
لكن الأكثر إثارة للإعجاب في أداء السلطات والدولة، هو استمرار الدورة الإنتاجية بشكل روتيني دون أن تتعرض لأي انقطاع يؤثر على احتياجات المواطنين ولوازم عيشهم اليومي. لقد كان وزير الفلاحة عزيز أخنوش أول من أكد في بداية الجائحة على أن التضحية بالإنتاج مسألة لا يمكن المغامرة بها، فاتجه الجميع في قطاع الفلاحة إلى تعزيز عمليات القطف والجني والتلفيف وتسويق المنتجات وفقا للشروط الصحية، لتزويد الأسواق المحلية من جهة، ولضمان استمرار عمليات التصدير من جهة أخرى. وفي عز الأزمة التي بدأت يطرح فيها النقاش عالميا حول مخاطر نقص الغذاء وانقطاع سلاسل التوريد، كانت الأسواق الوطنية تتزود باحتياجاتها بشكل عادي كباقي أيام السنة.
هذا الحرص على الإنتاج وعدم توقف عجلة الاقتصاد بشكل كلي، كان هو رهان مولاي حفيظ العلمي وزير الصناعة والاقتصاد الرقمي. رجل “الكمامة” المغربية الصنع، كان دائما ومنذ بداية الجائحة يلتفت إلى الفرص الكامنة وراءها. لم يفوت هذه الأزمة دون أن يحاول إكساب المغرب من ورائها سمعة عالمية تجعله قطبا من أقطاب الصناعة في ظرفية أزمة “كوفيد 19”. لقد كانت استراتيجيته غاية في النجاعة عندما أطلق مشاريع ضخمة لإنتاج ملايين الكمامات وتوجيهها نحو الأسواق المحلية والتصدير في الوقت نفسه. لكن ذكاء رجل الصناعة، كان يفكر بعيدا، ويتطلع إلى ما بعد هذه الأزمة، سعيا وراء استقطاب المزيد من الاستثمارات في القطاعات الصناعية بعد أن أصبحت سمعة المغرب في توفير شروط استقبال الرأسمال تنافس أكبر الأقطاب القارية والعربية.
وعلى الرغم من كل الانتقادات التي اعتدنا توجيهها للمنظومة التربوية، فإن ما أبانت عنه خلال هذه الأزمة يبشر بأن إمكانات الإصلاح متوفرة، وأن التحول نحو مدرسة عمومية راقية ومؤهلة تكنولوجيا وبيداغوجيا ليس سوى مسألة إرادة وإصرار. وقد أظهر سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية هذا الإصرار وهو يدافع عن استراتيجية “التعليم عن بعد” التي على الرغم من كل النواقص التي سجلتها، إلا أنها تعتبر بالنسبة لبلد كالمغرب، إنجازا كبيرا في ظروف الأزمة لا ينقصه سوى تعزيز التجهيزات التكنولوجية وتوفيرها لجميع المتعلمين بشكل متكافئ.
هذا الفريق كان لا بد له من استراتيجية مالية واقتصادية تؤطره، وتحدد أفقه وإمكاناته. فكان لزاما أن يؤدي الآمر بالصرف، وزير المالية والاقتصاد محمد بنشعبون دورا محوريا في توفير ما يحتاجه كل الوزراء والقطاعات لتنفيذ برامجه الاستثنائية. لقد كانت إدارته للجنة اليقظة الاقتصادية عنوانا للفعالية والنجاعة في إدارة الأزمات، كما أن تدبير موارد “صندوق جائحة كورونا” ألقى على عاتقه مسؤولية كبيرة، استطاع أن يتحملها بقدر كبير من المسؤولية. وبحضور هذا الفريق الكفء والمتبصر، لم يكن من المستغرب أن يصبح المغرب نموذجا في نظر الكثير من المراقبين والإعلاميين والسياسيين في بلدان الجوار العربي والأوربي على الخصوص.