لماذا انفجر “الواقع الخانق” للشباب الأمريكيين السود؟
“لم أعد أطيق ملازمة المنزل”، يقول مُوا بولاس الذي يخشى أن يتم توقيفه خلال التظاهرات، ولكنّه يواظب منذ عدّة أيام على المشاركة فيها في شوارع واشنطن رفضاً للعنصرية التي عانى منها بدوره بصفته شابا أسود في الولايات المتحدة.
كان موا في السابعة أو الثامنة من عمره حين توّجه إليه شخص بالقول “عد إلى إفريقيا!”، فكانت أول شتيمة عنصرية يتلقاها، وحصل ذلك وسط ضحك رفاقه أثناء العودة من نزهة مدرسية.
يقول “أكثر ما جرحني هو رد فعل معلمتي البيضاء حين أبلغتها (…) فقد نصحتني تقريباً بنسيان ما جرى”، مضيفا “في الحقيقة، لست أكيداً أنّها صدقتني”.
ويلفت الشباب (21 عاما) الذي غدا طالباً في العلوم السياسة، إلى أنّ “هذه التجربة ستطبع لبقية حياتي كل تواصل لي مع أشخاص بيض أو ذوي بشرة أخرى”.
ولد موا في بورت-او-برنس في هاييتي، ووصل إلى الولايات المتحدة في عمر السنتين. واستقرت عائلته التي كان هدفها الفرار من الاضطهاد السياسي، في بوربنك في كاليفورنيا، وهي مدينة ذات غالبية بيضاء.
يروي الشاب لفرانس برس بينما يجلس في حديقة المنزل الذي يتشاطره مع طلاب آخرين في شمال-شرق العاصمة الأميركية، “كبرت وأنا أعلم أنّ الناس سينظرون إليّ بصفتي تهديداً بسبب لون بشرتي. إنّهم يتصورونني خطيراً وكأني شخص عنيف. وهذا يعني أنّه يتعيّن علي أن أراقب سلوكي طيلة النهار لأنني أسود”.
ويقول “إذا كنت أسير على الرصيف مثلا وثمة بيض يأتون باتجاهي، فمن مصلحتي التنحي جانبا وعدم السعي إلى فرض وجهتي (…) من مصلحتي النظر في الأرض والحفاظ على الصمت”. ويتابع “إنّه لواقع خانق”.
أثناء اللقاء به، كان موا ينتعل حذاء رياضيا أبيض وكنزة حمراء مكتوب عليها “مافا 2020” (“مأساة كبرى” باللغة السواحلية)، تشير إلى تجارة الرقيق.
في عامه الـ13، رأى والده الذي يعمل في قطاع صناعة الأدوية أثناء توقيفه من جانب الشرطة خلال قيادته السيارة. يقول “دائماً ما يوقف عناصر الشرطة أشخاصا يقودون سياراتهم فقط لأنهم سود”.
يتابع “حين اضطر والدي (إلى الامتثال)، شعرت بخوفه. كان خوف لم أره طيلة حياتي يسكن الرجل الذي يحميني، أنا وعائلتي. في هذه اللحظة، انتقل هذا الخوف إلي، ولم يغادرني مذّاك”.
حصل الأمر نفسه معه حين أوقف للمرة الأولى بينما يقود سيارته في سن الـ17.
ووفق الموقع المتخصص mappingpoliceviolence.org، فإنّ الأميركيين من أصل إفريقي عرضة للقتل على يد الشرطة بنسبة أعلى بثلاث مرات من احتمال حصول الأمر نفسه للأفراد البيض أو ذوي الأصول اللاتينية.
وفي عام 2016، قتل السائق فيلاندو كاستيل (32 عاما) في مينيسوتا أثناء توقيفه لمجرد مخالفته إشارة سير، وذلك على يد شرطي شعر بالتهديد. وهذه حادثة لها ما يشبهها في كافة أنحاء الولايات المتحدة.
آخر حادثة مماثلة ليست إلا مقتل جورج فلويد، رب الأسرة الأميركي من أصل إفريقي البالغ 46 عاما الذي اختنق تحت ركبة شرطي أبيض في مينيابوليس. واثارت لحظات احتضاره التي صوّرت في مقطع فيديو موجة غضب غير مسبوقة في البلاد.
يقول موا متأثراً: “عندما شاهدت الفيديو ورأيت وجه جورج فلويد، فإنني لم أر وجهه فحسب. رأيت وجه والدي، عمي، إخوتي، أقربائي، أصدقائي. رأيت وجهي. رأيت مدى احتمال أن أجد نفسي مكانه في تلك الوضعية”.
خلال فصل الربيع، تخرّج الشاب من جامعة هوارد، جامعة السود المرموقة في واشنطن. وبعدما حلم طويلاً في أن يعمل في السياسة، صار يتجّه حالياً نحو التعليم.
يوضح موا الذي عمل كمدرس بديل في العاصمة، “شهدت شخصيا على نقص المنح الذي يؤثر خصوصا على مدارس السود في واشنطن”.
وهو يتطلع حاليا إلى مغادرة الولايات المتحدة نحو أوكرانيا حيث يريد تعليم الانكليزية، وذلك بعدما تعلم اللغة الروسية. ولكن الأمل لا يفارقه في أن يساهم يوماً في تغيير النظام بعد عودته.
يقول “سأعود وسأواصل الكتابة عن العنصرية وعن السياسات المتعلقة بالعرق وعن نظامنا السياسي. سأحاول أن أكون ناشطا وثوريا في آن”.
المصدر: الدار- ا ف ب