الدار/ رضا النهري:
عندما بدأت جائحة “كورونا” في التفشي عالميا، عاد الكثيرون إلى أفلام وروايات ظهرت قبل سنوات أو قبل عقود، تتحدث عن تفشي الأوبئة والأمراض المعدية في العالم، بعض هذه الأعمال تقترب كثيرا من الواقع، إلى حد التطابق، مثلما هو حال فيلم “كونطاجيوز”، الذي يظهر سنة 2012.
لكن الذين عادوا لاستقراء تكهنات الروائيين والسينمائيين، أغفلوا، لسبب ما، رواية عجيبة للكاتب البرتغالي الراحل خوسي ساراماغو، الحاصل على جائزة نوبل سنة 1998، والمتوفى سنة 2010، والذي أصدر روايات كثيرة تتعلق أغلبها بقلق وجودي على ظهر هذا الكوكب.
حظيت روايات “ساراماغو” بالكثير من الاحتفاء، خصوصا بعد أن بدأت رواياته تترجم إلى لغات عالمية فخرج من شرنقة اللغة البرتغالية التي يكتب بها، وهكذا صار أيقونة جديدة في عالم الأدب، إلى حد يعتبره الكثيرون فيلسوفا أكثر منه أديبا.
أصدر ساراماغو روايته “العمى”، أو “أوراق حول العمى” سنة 1995، والتي لم تحظ وقتها بكثير من الاهتمام من جانب القراء والنقاد، غير أن حصوله على جائزة نوبل ثلاث سنوات بعدها جعل هذه الرواية تقفز إلى مراتب متقدمة جدا في لائحة المبيعات، وجعلت من الرواية تكهنا بما يمكنه أن يعرفه العالم مستقبلا من أوبئة قاتلة وفظيعة.
طرح ساراماغو في رواية “العمى” عدوى رهيبة، تبدأ في مشهد غير متوقع منذ الصفحة الأولى من الرواية، حين تقف سيارة عند الضوء الأحمر، وخلفها سيارات أخرى. يشتعل الضوء الأخضر فلا تتحرك السيارة في المقدمة، فترتفع منبهات السيارات الأخرى، وفي النهاية يكتشف السائق أنه أصيب بعمى كامل، بينما يتجمع حوله باقي السائقين غير مصدقين لما يحدث.
كانت تلك الحالة الأولى لعدوى العمى الرهيبة التي تضرب البلاد، أي بلاد، وبعدها تفشت عدوى العمى بشكل رهيب في كل بقاع العالم، أكثر بكثير من الشكل الذي يتفشى به فيروس كورونا، أو أكثر، ووجد الناس أنفسهم في قلب فوضى عالمية غير مسبوقة، وصار الناس، في النهاية، كلهم عميان، يتسابقون من أجل هدف واحد، العثور على لقمة عيش بأية وسيلة، وقتل بعضهم البعض من أجل ذلك.
رواية رهيبة، ربما لم تثير الكثير من الاهتمام من قبل، لكنها تستحق أن تُقرأ في هذه الأيام، فقد تخفف عن قرائها أشجانهم بفعل فيروس كورونا.. الذي يبدو مجرد لعب أطفال أمام فيروس العمى.