كيف تسعى تونس لإعطاء هويات لجثث المهاجرين من ضحايا قوارب الموت؟
تتولى السلطات التونسية عملية جمع وتوثيق الآثار التي يخلفها المهاجرون غير الشرعيون من أمتعة وملابس، زيادة على أخذ بصماتهم، بعد انتشال جثثهم من البحر. وتعمل في الوقت الحالي على ملف بهذا الخصوص يضم عشرات الجثث بينهم طفلان، في محاولة منها لإعطاء هوية لضحايا الهجرة غير الشرعية، ولتسهيل التعرف عليهم للعائلات.
تنتشل قوات خفر السواحل التونسية سنويا عشرات الجثث إثر حوادث غرق مراكب المهاجرين. وقد ظلت تونس لسنوات تدفن جثث المهاجرين الأجانب وأغلبهم من دول جنوب الصحراء بدون أن تتمكن من تحديد هواياتهم. ولكنها باتت تحاول، على غرار الدول المجاورة لها، تطوير عملها وتقنيات المعاينة.
“يجب أن نسجل ونحفظ كل الآثار”
عشرات من جثث المهاجرين في تونس كان من الممكن أن تندثر بدون أن يعرف أصحابها، لكن ما إن تم انتشالها حتى بدأت السلطات تجمع كل ما أمكن من معطيات تتعلق بها تتيح معرفة هويات هذه الجثامين يوما ما.
وقال الطبيب الشرعي سمير معتوق لوكالة الأنباء الفرنسية “يجب أن نسجل ونحفظ كل الآثار” من وشم وعلامات تجارية لأحذية وبصمات أصابع ومقاس القميص، وكذلك الحمض النووي.
ويعكف الطبيب وفريق عمله على فحص جثث عشرات الملفات التي تضم صورا وبطاقات توصيف ومعطيات طبية في عمل شاق لتحديد كل ما يسمح بإعطاء اسم ل29 امرأة وثلاثين رجلا وطفلين، جميعهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء قضوا في غرق مركبهم مطلع يونيو الفائت سواحل مدينة صفاقس (وسط شرق تونس).
وتعرفت السلطات المحلية بسرعة على هوية ربان المركب وهو تونسي. لكن في ما يتعلق بجثامين الركاب، لم يتم التعرف سوى على عدد قليل منها من خلال شهادات جمعت من مواطنين من أفريقيا جنوب الصحراء مستقرين في تونس، بينما ظلت هويات الجثث الأخرى مجهولة.
ودفنت السلطات الجثامين في مقبرة إسلامية في محافظة صفاقس، وأعطتها أرقاما على أمل أن يأتي أحد ما ليسأل عنها وعن مصيرها، ويتم التعرف عليها من خلال ما بقي منها من لباس ومعطيات محفوظة.
“ترقيم الجثث”
على الرغم من أنها لا تملك إمكانيات كبيرة، تمكنت تونس بعد مشاورات منذ 2017 مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر من تكييف إجراءاتها لجمع وتحليل المعطيات من الجثث.
ويؤكد رئيس قسم الطب الشرعي في المستشفى الجامعي بصفاقس سمير معتوق “يجب فحص لجثث كل الذين قضوا غرقا من قبل الطبيب الشرعي والشرطة الفنية (والعلمية) وأن تُرفع عينات من الحمض النووي وبصمات الأصابع”.
وحين تصل الجثث إلى المستشفى تقوم السلطات الصحية بترقيمها الواحدة تلو الأخرى… هذا الرقم يسجل في ملفها ويرافقها إلى القبر حيث ستدفن.
وينكب عدد من التقنيين في مشرحة مستشفى صفاقس على فحص الجثث المنتشرة هنا وهناك يدونون ما استطاعوا من معطيات وتوصيف لها. وقد فقدت بعضها تفاصيل الوجه المتآكل بينما تبدو أخرى منتفخة ولا تزال بعض طحالب البحر عالقة في أطرافها.
ويقول الطبيب معتوق “يمكن لهذه الآثار أن تساعد عائلات الضحايا على التعرّف عليها وأن تقيم لها جنازات”.
لكنه أكد أن “تحاليل الحمض النووي تبقى الأكثر موثوقية للتعرف على شخص حتى بعد عشرات السنوات”.
وتمكن فريقه وحده من جمع 412 عينة للحمض النووي منذ ثورة 2011 التي شهدت تسارعا في الهجرة غير الشرعية على السواحل التونسية.
تعاون وثيق
ويتزايد عدد جثث المهاجرين الأجانب المنتشلة من قبل السلطات التونسية، ما يتطلب تعاونا وثيقا للتعرف علي هوياتها.
ويؤكد مسؤول في مخابر الشرطة الفنية والعلمية شهير جديم أن عملية جمع العيّنات التي يقوم بها المستشفى تكملها معلومات الشرطة الفنية ويتم إرسالها بعد ذلك إلى القضاء.
ويقول منسق الطب الشرعي في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في المنطقة بلال سبلوح إن “مركزية المعطيات وإجراءات تشارك” المعلومات على المستوى الدولي تتطلب مزيدا من العمل.
وبامكان العائلات لاحقا أن تتوجه إلى منظمات الهلال الأحمر أو الصليب الأحمر في بلدانهم لطلب معلومات، لتقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بعد ذلك بالتواصل مع السلطات المعنية، أي القضاء أو إدارة الطب الشرعي في الدول التي من المرجح أن تكون نقطة انطلاق للمفقودين.
وتوضح نائبة رئيس البعثة الإقليمية للجنة الدولية للصليب الأحمر في تونس آن مونتافون أن عدد هذه “الطلبات مرتفع قليلا في تونس، لكنه كبير جدا في ليبيا”.
وتعد إيطاليا التي بدأت منذ 2014 أخذ عينات من الحمض النووي للجثث منذ حادثتي غرق قبالة سواحلها خلفتا مئات القتلى، البلد الرائد في هذا المجال بعد إحداثها لجنة حكومية خاصة بالمفقودين وتهتم بجمع المعطيات.
وقد سمح ذلك بالتعرّف على هويات أربعين جثة، حسب الطبيبة الشرعية كريستينا كاتانيو التي تنسق هذه العمليات في بلدها.
وتؤكد الطبيبة أنه لم تتم مجانسة الإجراءات المعتمدة في ذلك داعية المؤسسات الأوروبية إلى “تولي الأمر”.
المصدر: الدار– أف ب