الدار/ رضا النهري:
التاريخ يعيد نفسه، وكما حدث في آخر أنفلونزا عالمية قبل مائة عام، فكذلك يحدث اليوم، حيث تتسرع البشرية في التخلص من وباء ما، فيتظاهر الوباء بالاختفاء، مثل أي ثعلب ماكر، ثم يعود بقوة أكبر لافتراس ضحاياه.
وخلال الأنفلونزا الإسبانية لسنة 1920، أو ما يسمى الطاعون الإسباني، عانى الناس كثيرا منذ ظهوره الأول سنة 1918، وبعد بضعة أشهر بدا وكأن الطاعون يغادر أو يختفي، فعاد الناس إلى حياتهم الطبيعية باطمئنان أكبر، وكثيرون تخلوا نهائيا عن التدابير الاحترازية المعمول بها، وفجأة عاد الطاعون بوحشية أكبر وتسبب للبشرية في 50 مليون ضحية.
اليوم، نتمنى ألا تتشابه أعداد الضحايا، لكن ما يحدث هو تشابه كبير في السلوكات البشرية، حيث قضى الفيروس بيننا بضعة أشهر، ثم تظاهر بالاختفاء، فخرج الناس في خطوات غير محسوبة لممارسة حياتهم العادية، وكثيرون صاروا يعتبرون ارتداء الكمامة مبالغة كبيرة، فعاد إلينا الفيروس في موجته الثانية ليسجل أرقاما قياسية في أعداد الإصابات، وارتفاعا في نسبة الوفيات.
المثير أن البلدان التي كانت سباقة إلى إسقاط تدابير الحجر الصحي هي التي تعاني أكثر مع عودة الفيروس. فإسبانيا هبت إلى استقبال السياح من كل مناطق العالم حتى قبل تراجع الفيروس، ومن ثمة دخلت البلاد في موجة من الحفلات الشعبية الصارخة في الشوارع والساحات العمومية، واختلط الحابل بالنابل، وها هي إسبانيا تعلن اليوم إقفالا ثانية لأكبر مدنها، برشلونة، لمدة أسبوعين كاملين قابلين للتجديد، وكثير من مدنها مرشحة للإقفال التام، بينما المستقبل يبقى مجهولا.
ما حدث في إسبانيا قد يحدث في كل البلدان التي اتخذت إجراءات غير محسوبة للخروج من الحجر الصحي، أو أن السكان تسرعوا أكثر من اللازم للخروج من الحجر رغم التحذيرات الرسمية، وقد تكون العواقب وخيمة في وقت غير بعيد عن موسم الدخول المدرسي، الذي كان كثيرون يتوقعون أنه سيمر بسلام قبل أن ترتد الموجه الثانية من الفيروس إلى وجوههم بقوة أكبر.
ويترقب الخبراء أن تكون الأسابيع الثلاثة المقبلة مؤشرا حيويا على مصير البشرية فيما تبقى من سنوات، وربما تثبت صلاحية “مناعة القطيع”، وستكون ربحا كبيرا، وقد يثبت خطأ كل هذه الحسابات فيدخل العالم في نفق مظلم إلى أجل غير مسمى.