أخبار الدارسلايدر

تساؤلات حقوقية حول البيان الأخير لمنظمة العفو الدولية

لماذا تُصر منظمة العفو الدولية على تحريف الحقائق وتزييف المعطيات في ملف عمر الراضي؟ ولماذا تمعن في تصوير هذا الأخير على أنه في خلاف مع السلطات العمومية، والحال أنه في نزاع مع القانون وليس مع أية جهة أخرى؟ وهل الانتصار لقضايا حقوق الإنسان، كشعار ومرجعية، يعطي لمنظمة أمنستي الحق في استهداف الدول ذات السيادة بقاموس ينهل من الاتهامات والتراشقات اللغوية التي تخلو من كل نبرة دبلوماسية؟

فالثابت، أن الولاية النوعية للمنظمات الدولية غير الحكومية، بما فيها أمنستي، هي تقديم التوصيات والمقترحات للدول والحكومات، لمساعدتها على إنعاش ثقافة حقوق الإنسان، وتطوير المنظومات الحمائية للحقوق والحريات الفردية والجماعية. فهذا هو مناط وجودها وعلّة قيامها. أما التدخل في عمل السلطات القضائية الوطنية والتأثير في القضايا المعروضة عليها، من خلال دبج البيانات الازدرائية والبلاغات المتواترة، فهي مسألة مشوبة بتجاوز الاختصاص، وتتعارض مع أحد أهم المبادئ الكونية المتمثلة في استقلالية سلطة القضاء.

ففي الوقت الذي كان الجميع ينتظر أن تتفاعل منظمة العفو الدولية، بشكل إيجابي ومثمر، مع مطالب السلطات المغربية التي اشترطت تقديم أدلة وإثباتات تعزز وتعضد مزاعم الاختراق المفترض لهاتف عمر الراضي، أصرت هذه المنظمة البريطانية على التحلل من كل الأعراف الدبلوماسية، والتنصل من الأهداف والغايات الموجبة لقيامها، وذلك عندما شددت على تحريف سياق محاكمة عمر الراضي وربطها لزوما بتقريرها الصادر في شهر يونيو المنصرم، مع التجاسر باعتبار التهم الموجهة له “ملفقة”.

وهنا يحق لنا أن نتساءل مع أمنستي: ما هي الحجج والإثباتات التي اعتمدت عليها هذه المرة لوسم التهم الموجهة لعمر الراضي بأنها مفبركة أو ملفقة؟ وما هي هذه التهم التي طالها التلفيق؟ هل هي شكاية السيدة التي تقدمت بوجه مكشوف أمام السلطات القضائية طلبا للانتصاف القانوني في مواجهة مغتصبها؟ وهي بالمناسبة صحفية زميلة للمتهم، أم أنها شبهة التخابر مع جهات أجنبية بغرض المس بالمصالح الدبلوماسية للمغرب؟

وإذا كانت منظمة أمنستي قد تعذر عليها توفير الأدلة والإثباتات التي طلبتها السلطات المغربية بخصوص المزاعم الواردة في تقريرها الأول، المؤرخ في يونيو 2020، فإنه سيتعذر عليها حتما الإدلاء بما يؤكد مزاعمها اللاحقة المتعلقة ب”فبركة وتلفيق” التهم الموجهة لعمر الراضي، وذلك لسبب بسيط، وهو أننا أمام منظمة غير حكومية أصبحت تتحدث كلاما فضفاضا، وتصدر بيانات مجردة من كل إثبات أو دليل.

لكن المؤسف حقا في البيان الأخير لمنظمة العفو الدولية، هو إمعانها الراسخ في تحريف الحقائق، بل والكذب أحيانا، في محاولة مجهضة ومكشوفة لتقديم المتهم على أنه في نزاع مع السلطات المغربية، وليس كشخص هو محل متابعات قضائية، توجد فيها أطراف مشتكية من جهة، ومصالح عامة تحميها النيابة العامة كخصم شريف في الدعوى العمومية من جهة ثانية.

ومن تجليات هذا التحريف الصارخ، عندما ادعت منظمة أمنستي بأن عمر الراضي سبقت إدانته بعقوبة موقوفة التنفيذ بسبب “تغريدة ينتقد فيها محاكمة مجموعة من النشطاء”، والحال أن المعني بالأمر أدين بسبب محتواه الرقمي الذي استعمل فيه القذف والتشهير والتحريض على العنف في حق القاضي الذي أصدر الحكم، وليس بسبب تغريدة تنتقد المحاكمة. فالبون شاسع والفرق كبير بين انتقاد الأحكام وبين إهانة القضاة والتشهير بهم والتحريض على العنف في مواجهتهم.

كما أن إصرار المنظمة البريطانية على استعمال عبارة “السلطات العمومية” بشكل متواتر في بياناتها الأخيرة، هو إصرار متعمد وبخلفية مزدوجة ومتعدية القصد. فهل تحاول أمنستي، من خلال هذا المعجم اللغوي، أن تسوق للرأي العام الدولي بأننا أمام نزوع مقصود للشطط من طرف السلطات التنفيذية المغربية، بغرض إسقاط الطابع القضائي عن التهم الموجهة لعمر الراضي؟ أم أنها تبتغي الإقصاء الممنهج للضحايا المفترضين في هذا الملف، ليتسنى تصويرهم بشكل معيب ك” كومبارس” يؤدون أدوار ثانوية للإيقاع بالمتهم، وبالتالي الانتصار لمزاعمها التي تتحدث فيها عن “التهم الملفقة”؟

وإذا كانت أمنستي تحمل كشعار “الدفاع عن الحقوق والحريات”، وتعمل خالصة لوجه حقوق الإنسان كما هو محدد في مرجعيتها وميثاق تأسيسها، فإنه حري بها اليوم أن تستمع لضحية عمر الراضي، التي تصدح بشكاية الاغتصاب وهتك العرض، أو على الأقل أن تراجع تدويناتها المنشورة في منصات التواصل الاجتماعي ووسائط الاتصال الجماهيري. فليس من شيم حقوق الإنسان إقصاء حقوق النساء، بل وإنكار حقهن في طلب القصاص القانوني.
وفي ملحوظة أخيرة، فإن حرية التعبير والحق في الرأي والاختلاف لا يعطيان لمنظمة العفو الدولية الصلاحية في تصنيف الصحافة المغربية حسب أهوائها وإملاءاتها الشخصية. فالتشبع بثقافة حقوق الإنسان يجب أن يكون في شموليتها وكونيتها. كما أن الاختلاف مع أمنستي والانتصار لقضايا المغرب لا يسقط عن المنبر الإعلامي الاستقلالية المطلوبة ويهوي به في خانة “صحافة التشهير” كما يدعي البعض، وإنما هذا هو الاختلاف المحمود والمأمول، والذي هو جوهر حرية التعبير، التي تحاول أمنستي اليوم مصادرة حق المغاربة فيها لاعتبارات فوق وطنية…

زر الذهاب إلى الأعلى