هل بلغت أساطير عسكر الجزائر عن المغرب مداها؟
الدار/ افتتاحية
ما يروجه الإعلام الجزائري من أخبار بئيسة مفلسة عن الوضع السياسي في المغرب، وما يختلقه من أخبار عن العائلة الملكية يؤكد شيئا واحدا لا ثاني له. إنه الإفلاس الكاسح الذي بلغته أجهزة المخابرات الجزائرية فيما يتعلق بتدبير العلاقات الخارجية خصوصا مع الجيران في المغرب العربي. أن تعمل هذه الأجهزة على بث أخبار الفتنة والكيد المجاني والادعاءات المزيفة أمر معتاد، وألفه المغرب شعبا وحكومة منذ عقود طويلة. يكفي أن نتذكر أننا نعيش منذ زمن طويل صراعا ضاريا ضد الطغمة العسكرية في الجزائر لحماية وحدتنا الترابية من المؤامرات والدسائس التي لا تنتهي بتمويل من بترول الجزائريين البسطاء.
لكن أن يصل الأمر حد اختلاق قصص مضحكة كالتي روجتها الصحافة الجزائرية مؤخرا عن الوضع في المغرب، فهذا دليل على أن هذه الأجهزة العسكرية والاستخباراتية في الجزائر استنفذت كل ما لديها من مناورات ومكائد على الرغم من أنها لم تكن يوما مؤسسة على أساس متين. لكن على الأقل كان فيها قدر معين من العقل، أما اليوم فيبدو أن “المخابلات” الجزائرية بدأت تفقد صوابها وتخرج عن روعها. لكن بماذا يمكن تفسير ترويج أخبار من هذا القبيل في هذا التوقيت بالضبط؟ طبعا لا يمكن اعتبار ذلك زلة أو خطأ من الصحيفة التي روجت لذلك. سيكون من السذاجة بما كان اعتقاد ذلك.
ولفهم ذلك، يجب أن ننتبه إلى ما يحدث في الداخل الجزائري في هذه الآونة الأخيرة. لقد كانت هجمات الأجهزة الجزائرية على المغرب دائما تصريفا للأزمة الداخلية، وهذه قاعدة تكاد تكون ثابتة لا تتغير في تاريخ تعاطي الطغمة العسكرية مع المغرب ومع أخباره وتطورات الحياة السياسية فيه. هناك غليان بدأ ينتعش من جديد في الجزائر، وهناك بالمقابل ثورة مضادة تأكل الأخضر واليابس مما حققه شباب الجزائر إبان شهور انتفاضة “فيفري” التي داهمتها جائحة كورونا. وهناك أيضا هجمة قوية وكاسحة ضد حرية التعبير هناك تخوضها السلطات ضد أصوات الصحفيين الأحرار الذين يدينون ممارسات النظام الجزائري.
في الأسبوع الماضي وحده بدأت معالم الصراع داخل أجهزة النظام الجزائري تنبئ عن وجود صراع قاتل بين أقطابه. فأعلنت وزارة الدفاع الجزائرية عن إيداع المساعد الأول المتقاعد قرميط بونويرة والرائد درويش هشام الحبس المؤقت، وإصدار أمر بالقبض ضد العميد المتقاعد وقائد الدرك الوطني الأسبق غالي بلقصير، بسبب اتهامات بالخيانة العظمى والعمالة لدولة أجنبية. ويحاول النظام على لسان رئيسه وأعضاء حكومته استعادة خطاب المؤامرة ضد البلاد وأمنها واستقرارها بينما لا تزال إرهاصات غليان شعبي جديد تتراكم. ووسط مثل هذه المشاهد الداخلية الساخنة، لا تتقن الطغمة الحاكمة في الجزائر أكثر من الهروب نحو الغرب في اتجاه الجار لإلقاء التهم وترويج الأكاذيب ومغازلة الوجدان الجزائري بأساطير أكل عليها الدهر وشرب.
ومن الواضح أن الادعاءات التي روجتها الصحافة الجزائرية هذه المرة حول مخاطر انهيار النظام في المغرب والصراع حول السلطة، تنطوي على خطاب ضمني مستهلك موجه للشارع الجزائري أساسا يحاول إظهار البلاد في مظهر الدولة المستقرة والآمنة بينما تغلي من حولها الأوضاع في ليبيا وتونس والمغرب. لكن هذه الحملة الإعلامية الأخيرة، تؤكد بالمقابل أن الاختلاقات الجزائرية عن المغرب بلغت مداها، وهذا يدفعنا إلى التساؤل بصدق: ماذا يمكن أن تنشره الصحافة الجزائرية من أكاذيب عن المغرب في المستقبل؟