لماذا يسيء العثماني التواصل مع نشطاء الأمازيغية؟
الدار/ افتتاحية
السيد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، أمازيغي أبا عن جد، لكن ذلك لن يجنبه انتقادات الحركة الأمازيغية وسهامها الحادة. فقد وجد العثماني نفسه هذه الأيام في قلب زوبعة من الغضب بعد أن نشر تعزية عبر صفحته الفيسبوكية إلى كل من أسرة الفنانة الراحل “ثريا جبران” والفنان الراحل “عبد الجبار الوزير”. وانتقد النشطاء الأمازيغيون على شبكات التواصل الاجتماعي بممارسة نوع من التمييز والعنصرية، بعد أن تجاهل تعزية ابن منطقته، رائد السينما والمسرح الأمازيغي، الفنان “أحمد بادوج” الذي توفي مؤخرا. وتساءل المعلقون على تدوينة رئيس الحكومة المغربية، حول سبب تمييز العثماني بين فنانين لهم نفس القدر من القيمة والعطاء والتقدير لدى شريحة عريضة من الجمهور المغربي.
هذه التدوينة التي استفزت نشطاء الفيسبوك أثارت قضية الشعور بالتهميش والإقصاء الذي يتعرض له الفنانون والمبدعون الأمازيغ في اعتبار الجهات الرسمية. لكنها هذه المرة كانت أكثر تأثيرا بالنظر إلى أن الإقصاء صدر عن شخصية أمازيغية معروفة مثل رئيس الحكومة، ولا يتعلق الأمر بالحرمان من حق من حقوق الفنانين، بقدر ما هو تجاهل لرد الاعتبار المعنوي الذي كان من الممكن لرئيس الحكومة أن يسقط فيه عندما كان بصدد تدبيج تدوينته. لكن حكاية هذه التدوينة ليست في الحقيقة سوى الشجرة التي تخفي الغابة. فالحركات الأمازيغية ونشطاء القضية لديهم الكثير من التحفظات السابقة عن أداء حكومة العثماني، ووعود رئيسها الخاصة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وحسم الكثير من القضايا المتعلقة بها.
وليس من باب الصدفة أن يبادر رئيس الحكومة أمس الخميس في أوج الجدل الذي أثارته تدوينته، إلى المصادقة في مجلس الحكومة على مشروع مرسوم يقضي بتفعيل مقتضيات القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية. لقد بدا واضحا أن هذا المرسوم الذي يتم تداوله منذ شهور طويلة في دواليب الحكومة نوع من الغرامة التي دفعها العثماني مقابل خطأه التواصلي الذي جلب عليه انتقادات واسعة. وجاء هذا المرسوم تنزيلا للمادة 34 من القانون التنظيمي التي تنص على أنه “تحدث لدى رئيس الحكومة لجنة وزارية دائمة يعهد إليها بمهام تتبع وتقييم وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”، على أن “يحدد بنص تنظيمي تأليف هذه اللجنة وكيفيات سيرها”.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يُغضب فيها العثماني نشطاء الحركة الأمازيغية. فقد سبق له في يناير من العام الماضي أن فعل ذلك تحت مسمى “بغا يكحل ليها عماها”، عندما أجرى أول مقابلة تلفزيوينة باللغة الأمازيغية في تاريخ رؤساء الحكومات بالمغرب. فقد أثارت هذه الخرجة الإعلامية الكثير من الردود، بين موقف مؤيد لفكرة الحوار التلفزيوني، على الأقل من الناحية الرمزية، وبين موقف مُضاد يؤكد أن أمازيغ المغرب في حاجة إلى تنزيل اللغة الأمازيغية في مختلف مجالات الحياة اليومية، وليسوا في حاجة إلى مبادرات رمزية.
وبلغ الأمر ببعض قياديي الحركات الأمازيغية حد اتهام رئيس الحكومة حينها بالعجز الصريح عن إنجاز مطلب عملي من مطالب القضية الأمازيغية، بسبب انتماءاته الإسلامية. ويواجه حزب العدالة والتنمية اتهامات مباشرة من النشطاء الأمازيغ بسبب معارضته لحرف “تيفناغ” وتعطيله لعملية تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، في إطار دفاعه عن ثوابت الهوية الوطنية العربية الإسلامية. لكن الظاهر أن جزء كبيرا من مشكلة العثماني مع النشطاء الأمازيغ يعود بالأساس إلى خلل تواصلي في ظل غياب أهل الاختصاص في محيط السيد رئيس الحكومة.