رئيس المجلس الإقتصادي المغربي – الإسباني في حوار حصري مع “الدار”: نحظى بدعم كبير من عاهلي المملكتين
قال صلاح الدين القدميري، رئيس المجلس الإقتصادي المغربي – الإسباني المعروف اختصارا بإسم (CEMAES)، إن الزيارة الرسمية التي سيقوم بها العاهل الإسباني فيليبي السادس، يومي الأربعاء والخميس (13 و14 فبراير الحالي) للمملكة المغربية، ستعطي زخما جديدا للشراكة الإقتصادية والإستثمارية والتجارية بين المملكتين.
وأضاف القدميري في حوار حصري مع موقع "الدار"، أن تأسيس المجلس الإقتصادي المغربي – الإسباني سيساهم في تطوير وترقية الإستثمارات الخاصة بين رجال المال والأعمال في الدولتين إلى مستويات غير مسبوقة، بما يسرع من وتيرة إنجاز مشاريع مشتركة بقيمة نوعية مضافة تمكن من التصدير إلى الأسواق الدولية سواء إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء والعديد من بلدان القارة السمراء التي تحتضن إستثمارات مغربية ضخمة في قطاعات إستراتيجية، أو إلى بلدان أمريكا الجنوبية حيث تتمتع المقاولات الإسبانية بحضور كبير منذ فترة طويلة.
وأكد صلاح الدين القدميري، أحد أبرز الفاعلين الكبار في تطوير أداء الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب (CGEM)، أن الشراكة الإقتصادية المغربية – الإسبانية مقبلة على ولوج مرحلة جديدة تعود بالمنفعة المتبادلة على مقاولات البلدين وخاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة.
حاوره: سعيد إبن إدريس
– س: رجال المال والأعمال في البلدين يعولان كثيرا على زيارة عاهل إسبانيا فيليبي السادس إلى المغرب، وذلك من أجل مزيد من التشجيع على العمل المشترك. هل هناك مؤشرات على تطوير الأداء الإقتصادي بين الشريكين؟
– ج: علينا أن نقول أولا إن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله والعاهل الإسباني فيليبي السادس، يوليان دائما أهمية كبرى لتعميق التعاون الثنائي في مختلف المجالات وفي مقدمتها الشراكة المنتجة والمتراكمة في الميدان الإقتصادي والإستثمارات والمبادرات الخاصة والتبادلات التجارية. وهذا مكسب مهم للمستثمرين في مختلف القطاعات في البلدين.
إن جلالة الملك محمد السادس نصره الله حريص كل الحرص على تمكين الفاعلين المغاربة، في القطاعين العام والخاص، من شروط إعطاء مضمون حقيقي للشراكة الإقتصادية بين الرباط ومدريد، والأرقام المتوفرة حاليا تؤكد هذا الحرص الملكي.
– س: ما هي أبرز الأرقام الإقتصادية الدالة على متانة الشراكة الإقتصادية بين المملكتين؟
– ج: ما يجب التأكيد عليه في هذا الإطار هو أن إسبانيا هي الشريك الأول والمزود الأول والزبون الأول للمغرب، وذلك منذ عدة سنوات. إن حجم المبادلات على درجة عالية من الأهمية والنمو، فحوالي 50 مليار درهم من الصادرات المغربية تدخل إلى السوق الإسبانية سنويا، وحوالي 60 مليار درهم هي قيمة ما نستورده من الجار الشمالي.
وهنا علينا أن نشير إلى عنصر آخر مهم جدا، وهو أن 40 في المائة من الصادرات المغربية نحو أسواق دول الإتحاد الأوروبي تذهب إلى إسبانيا، كما أن حوالي 39 في المائة من واردات المغرب من الإتحاد الأوروبي تأتي من إسبانيا.
– س: من خلال كل هذه الأرقام الدالة على حجم التبادل التجاري بين البلدين، نلاحظ أن هذا التبادل يتسم بالتوازن إلى حد كبير؟
– ج: نعم هذا الإستنتاج صحيح جدا، فهذا التوازن في المبادلات تحقق بفضل العمل الجاد والمتواصل المبذول من طرف السلطات العمومية المختصة في بلادنا بتشاور مع القطاع الخاص الذي تمثله الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب. ومن المهم جدا بالنسبة لنا، نحن رجال المال والأعمال وأرباب المقاولات، أن نمارس مهامنا في إطار توازن تجاري مع شريك أجنبي وخاصة مع أول شريك لنا على مستوى كل دول العالم.
– س: أنتم الآن تشغلون مهمة رئيس المجلس الإقتصادي المغربي – الإسباني، وهو إطار جديد، بهدف تطوير العلاقات الإستثمارية الثنائية بين الرباط ومدريد. كيف تقيمون الإستثمارات الإسبانية الخاصة في بلادنا؟
– ج: حقيقة القطاع الخاص الإسباني له حضور وازن في المغرب، والأرقام توضح لنا هذا الحضور بشكل جلي. هناك حوالي 1000 مقاولة إسبانية مستقرة في بلادنا وجزء منها ينشط في إطار شراكات مع مقاولات مغربية، وهذا يؤكد جاذبية مناخ العمل الإستثماري الذي توفره المملكة المغربية لكل المستثمرين الأجانب وليس فقط للإسبان الذين يثقون بأداء الإقتصاد الوطني وقدراته الواقعية على النمو والتأقلم مع المتغيرات في محيطه الجهوي والقاري والأوروبي والدولي، هذا مع العلم أن أزيد من 150 ألف مقاولة إسبانية (كبرى ومتوسطة وصغيرة) تقوم بتبادلات تجارية منتظمة ومهمة مع المغرب.
– س: خلال زيارته الرسمية لبلادنا، كما هو مسطر في البرنامج الخاص بالزيارة، سيحضر الملك فيليبي السادس إجتماع المجلس الإقتصادي المغربي – الإسباني وسيتناول الكلمة أمام الحضور الذي سيكون كبيرا. إذن واضح أن الأمر يتعلق بإشارة ملموسة من العاهل الإسباني بغرض إعطاء مزيد من الدعم للشراكة الإقتصادية بين الجارين.
– ج: بكل تأكيد هذا هو المقصود، وهو الدعم نفسه الذي يقدمه جلالة الملك محمد السادس نصره الله لهذا الإطار الجديد. إن دور المجلس الإقتصادي المغربي – الإسباني هو العمل على إضفاء دينامية جديدة على كل الأنشطة الإقتصادية بين البلدين. ولقد قمنا بتحديد واسع ودقيق لمجالات الإشتغال المشترك وهي على درجة عالية من الأهمية، والعمل بدأ منذ مدة ليست بالقصيرة. مثلا هناك عمل مهم يجب القيام به مع الجهات والحكومات المحلية الإسبانية وغالبيتها لها مقاولات كبرى ومتوسطة تتواجد بقوة في المغرب، ونحن نعرف جيدا الثقل الكبير لهذه الجهات على مستوى الأداء الإقتصادي الإسباني برمته.
لقد شرعنا فعلا في العمل، والدليل الملموس هو الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الحكومة الجهوية لجزر أرخبيل الكناري السيد فرناندو كلافيخو لبلادنا يومي 28 و29 يناير الماضي، على رأس وفد هام ضم وزراء الإقتصاد والصناعة والتجارة والسياحة، وكبار رجال المال والأعمال وأرباب الشركات الكبرى في الأرخبيل.
وخلال هذه الزيارة، وقعنا على بعض الإتفاقيات في إطار المجلس الإقتصادي المغربي – الإسباني، ومنها اتفاقية مهمة مع مؤسسة "بروكسكا" التي هي مقاولة عمومية مكلفة بالإستثمار بجزر أرخبيل الكناري.
– س: إذن يمكن القول إن المجلس الإقتصادي المغربي – الإسباني يتوفر حاليا على خارطة طريق واضحة للعمل؟
– ج: الإرادة القوية لدى الطرفين هي مفتاح العمل الحقيقي على الأمدين المتوسط والبعيد، وبالفعل لدينا الآن خارطة طريق مضبوطة بخصوص قطاعات محددة علينا الإستثمار فيها بشكل مشترك مثل قطاع تحلية المياه المالحة (مياه البحر)، وهو القطاع الذي راكمت فيها الشركات المتخصصة في جزر الكناري خبرة معتبرة وكبيرة على المستوى الأروربي إن لم يكن على الصعيد الدولي. وبنفس الإرادة المشتركة، سنعمل مع مختلف الجهات الإسبانية على تنفيذ إستثمارات مشتركة في قطاعات عديدة تعود بالمنفعة المتبادلة على مقاولات البلدين، وبالتالي المساهمة في إحداث مناصب شغل جديدة هنا وهناك.
– س: هل هناك قطاعات بعينها تودون تطويرها في إطار هذا المجلس؟
– ج: لقد قمنا بتحديد محاور ذات أولوية وخاصة في مجال التكوين الفندقي وترقية وظائف البعثات التجارية في الإتجاهين ونقل وتبادل المعرفة والخبرة، وأيضا في بعض المهن الصناعية وأولها قطاع السيارات الذي يتوفر فيه المغرب على خبرة صناعية محترمة تتطور مع مرور السنوات في ضوء إستمرار تدفق الإستثمارات الدولية القوية التي يستقطبها هذا القطاع، والأمر نفسه ينطبق على إسبانيا التي لها خبرة في صناعة السيارات. ومن هنا يمكن تعميق الإستثمار بشكل ثنائي والذهاب نحو التصدير إلى بعض الأسواق الكبيرة بشكل جماعي.
– س: على ذكر التصدير المشترك إلى الأسواق الدولية، هل هذا التوجه له حظوظ وافرة للنجاح؟
– ج: بكل بساطة يمكن القول إن هذا التوجه له حظوظ واقعية للنجاح، فالطموح لا ينقصنا والإمكانيات الهائلة التي يمكن تطويرها مع الشركاء الإسبان عديدة ومتنوعة. ونحن مدعوون للعمل الجاد وللإستثمار الأحسن للإرادة السياسية الواضحة المعبر عنها من طرف جلالة الملك محمد السادس أيده الله والعاهل الإسباني فيليبي السادس، من أجل النهوض بالعمل الإقتصادي المشترك والبناء على ما تحقق من مكتسبات وإنجازات في هذا المجال.
وهذه الإرادة السياسية القوية على أعلى مستوى هي ما يحفزنا على المضي قدما في العمل. وقد قررنا إحداث المجلس الإقتصادي المغربي – الإسباني بأسلوب غير مسبوق، أي أننا أسسنا هذا المجلس ك"جمعية" وذلك بهدف التمكن من الإشتغال بشكل منتظم وبقدرة إنسيابية على مدار السنة بما يساهم في إعطاء دفعة متجددة ونوعية للعلاقات الإقتصادية والإستثمارية الثنائية.
كذلك نطمح داخل المجلس إلى توفير كل شروط تحفيز المقاولات المغربية على البحث عن شركاء للإستثمار داخل التراب الإسباني في قطاعات ذات مردودية ملموسة، وبالتالي البحث عن أسواق جديدة وخاصة في دول أمريكا الجنوبية التي تتوفر فيها إسبانيا على إستثمارات وازنة وشراكات صناعية وخدماتية وتسويقية في غاية الأهمية. وبالمثل، تلقينا إشارات قوية جدا من طرف شركاء إسبان كبار يرغبون في إقامة شراكات مع مقاولات مغربية للإستثمار والتصدير إلى أسواق دول إفريقيا جنوب الصحراء وباقي دول القارة حيث يتواجد المستثمرون المغاربة بشكل كبير ونوعي، وذلك بفضل السياسة الملكية الحكيمة التي تولي أهمية قصوى للشراكة مع دول القارة السمراء، وذلك في إطار إستراتيجية جنوب – جنوب المنتصرة لقيم المنفعة المتبادلة والمتضامنة كما حددها بدقة جلالة الملك محمد السادس حفظه الله.
هذه هي محاور خارطة الطريق التي سنغنيها بأفكار جديدة على مستوى المجلس الذي يتكون من كبريات المقاولات في البلدين والتي ستشكل، بكل تأكيد وبثقة في المستقبل، القاطرة التي ستقود هذه الشراكة الإستثمارية إلى الأمام، ولكن أيضا مع ضمان حضور وازن للمقاولات الصغرى والمتوسطة النشيطة، وتلك التي سيتم إحداثها مع الشركاء الإسبان.
وعلينا أن نؤكد أن المجلس الذي تم إحداثه بمبادرة من الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب والكونفدرالية الإسبانية لمنظمات المقاولات، يطرح سلسلة قيم جديدة للنمو المشترك.
– س: ماذا تقصدون تحديدا بسلسلة قيم جديدة للنمو المشترك؟
– ج: إن تنمية العلاقات السياسية والإقتصادية مع المملكة الإسبانية كانت دائما تشكل أولوية إستراتيجية بالنسبة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، وذلك من منطلق أن المغرب هو بوابة الولوج إلى إفريقيا مثلما أن إسبانيا هي بوابة أوروبا.
وعندما نطرح سلسلة قيم جديدة للنمو المشترك، فنحن، مغاربة وإسبان، سنركز على الإستثمار المشترك من خلال العمل على تحقيق تقارب أكبر بين القطاعين الخاصين في البلدين. ومن المهم التوفر على بنيات ديناميكية ومستديمة قادرة على إيجاد آليات مناسبة للشراكة من أجل تنمية واندماح البلدين، وهذا الهدف الإستراتيجي يمر عبر جسر مقاولات منتجة للنمو الإقتصادي المتبادل.
– س: كثير من الخبراء الإقتصاديين المغاربة والإسبان والأوروبيين يعتبرون أن إحداث المجلس الإقتصادي المغربي – الإسباني من شأنه الإستفادة من الخصائص الجغرافية المهمة التي يتمتع بها المغرب وإسبانيا، كيف ذلك؟
– ج: هذا سؤال جوهري بحمولة إستراتيجية وأشكرك على طرحه، ومن المؤكد أن المجلس يسعى إلى أن يكون شبكة قوية وفعالة ترجح كفة تنمية القطاع الخاص في البلدين، وتسهل تطوير وتثمين الشراكة الإقتصادية. وفي هذا السياق، فإن التعاون الإستراتيجي المغربي – الإسباني يستفيد من هذه المميزات والخصائص الجغرافية المتمثلة في موقع المملكتين داخل بنية علاقات جغرافية ثلاثية الأبعاد (شمال/جنوب)، و(جنوب/شمال)، و(جنوب/جنوب).
والبلدان بكل تأكيد لهما تأثير كبير في منظومة هذه العلاقة الجغرافية الثلاثية. والمجلس الإقتصادي المغربي – الإسباني مطالب بالعمل، بجد ومن دون كلل، على الإستغلال الجيد لهذه الميزة الإستراتيجية لصالح النمو المشترك والإستثمار المشترك.