ماذا تحقق من برنامج “انطلاق” لدعم المقاولين الشباب؟
الدار / افتتاحية
بعد غد الجمعة يلقي جلالة الملك محمد السادس خطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة مثلما ينص على ذلك الدستور. ويتزامن هذا الخطاب الذي سيلقى لأول مرة عن بعد بسبب الإجراءات الاحترازية، مع ظرفية خاصة جدا تمر منها المملكة عنوانها الكبير هو الأزمة الصحية. في مثل هذا التاريخ من السنة الماضية خصص الملك محمد السادس خطابه في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة لتحفيز القطاع الخاص المقاولاتي والبنكي من أجل الاصطفاف في جبهة واحدة لحل معضلة التشغيل ودعم الشباب من حاملي المشاريع.
وبعد مرور عام من هذا الخطاب الذي وضع خارطة طريق لإعادة العلاقة بين الشباب وسوق الشغل، يبدو أن لا شيء تحقق من كل التوجيهات التي تضمنها هذا الخطاب. لقد حث خطاب العام الماضي القطاع البنكي الوطني على المزيد من الالتزام، والانخراط الإيجابي في دينامية التنمية، التي تعيشها بلادنا، لاسيما تمويل الاستثمار، ودعم الأنشطة المنتجة والمدرة للشغل والدخل. ودعا في هذا الإطار إلى الدعم والتمويل الذي توفره للمقاولات الكبرى، لتعزيز دورها التنموي، وخاصة من خلال تبسيط وتسهيل عملية الولوج للقروض، والانفتاح أكثر على أصحاب المقاولات الذاتية، وتمويل الشركات الصغرى والمتوسطة.
بعد فترة تبلور مشروع لدعم المقاولات الشابة من خلال البرنامج المندمج الذي قدم عروض قروض “انطلاق” بنسب فائدة متدنية جدا ودون ضمانات شخصية من الشباب حاملي المشاريع. لكن جائحة فيروس كورونا التي فاجأت العالم والمغرب، عطلت التنزيل الواقعي لهذا المشروع، وحطمت أحلام الآلاف من الشباب المغاربة الذين يحملون أفكارا ومشاريع وابتكارات يسعون إلى تحويلها إلى قيمة اقتصادية ومالية منتجة. ومنذ إعلان حالة الطوارئ في شهر مارس الماضي، لم يدخل البرنامج الذي أعلن في فبراير حيز التنفيذ، وظل يراوح مكانه متعثرا، بحجة ظرفية الأزمة.
لكن الأزمة اليوم أصبحت واقعا ثابتا قد يطول لشهور إن لم يكن لسنوات، وهذا يعني أن انتظار انفراجها من أجل تنزيل برنامج دعم المقاولات الشابة وتوفير القروض الميسرة من أجل إطلاقها يعتبر مجرد ذريعة لعدم تنفيذه، أو ربما للتلاعب فيه والسمسرة بملفاته. ماذا يعني أن يقضي ملف مقاول شاب أسابيع بل شهورا من أجل دراسته لكي يحصل في النهاية على جواب سلبي بعدم قبول طلبه؟ أين هي إجراءات التسهيل والتيسير الإداري التي دعا إليها الخطاب الملكي في أكتوبر 2019؟ صحيح أن القطاع البنكي تضرر بدوره من تداعيات الأزمة الاقتصادية، لكنه آخر قطاع يمكنه أن يتذرع بذلك لتأخير ضخ التمويل في الأسواق والمشاريع، لأنه أصلا يجني أرباحه ويحقق نموه من وراء هذا الضخ، وهذه القروض التي يقدمها للمشاريع.
هذا يعني أن هذا البرنامج الطموح، الذي قدم نسبة فائدة لا تتعدى 2 في المائة في أقصى المستويات، في حاجة اليوم إلى ضخ دماء جديدة في ديناميته وحركيته، بدء بالتخلص من مختلف العوائق البيروقراطية التي تعطل دراسة الملفات، مرورا بتكثيف حملات التواصل والتسويق، وصولا إلى تنزيل برامج المواكبة التي ستصاحب المقاولين الشباب في تطبيق أفكارهم ومشاريعهم وتحويلها إلى مقاولات مشغلة ومربحة. ومن الأفضل أن لا ينتظر القطاع الخاص والقطاع البنكي قرارا سياسيا جديدا لكي يسرع دينامية هذا المشروع، خصوصا أننا في ظرفية أزمة استثنائية تحتاج إلى تضافر جهود جميع الفاعلين الاقتصاديين لاتخاذ مبادرات شجاعة وثورية قد تكون ربما عاملا من عوامل تخفيفها، والتخلص من نتائجها القاسية على المجتمع والاقتصاد الوطني.