إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية: الكلمة الفصل للنجاعة والحكامة الجيدة
لا شك أن إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، الذي أصبح الآن يكتسي طابعا استعجاليا، اخذا بنظر الاعتبار التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الصحية المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19)، أضحى مرادفا للنجاعة والحكامة الجيدة.
ويتعين أن يقدم هذا الإصلاح الهيكلي بالفعل علاجا لمكامن الضعف والقصور التي تعيق تطوير قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، المدعو إلى أن يضطلع بدور حاسم في تحقيق الاقلاع الاقتصادي.
في هذا الصدد أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة أن هذه الأزمة “أبانت عن مجموعة من الاختلالات ومظاهر العجز، إضافة إلى تأثيرها السلبي على الاقتصاد الوطني والتشغيل. لذا، أطلقنا خطة طموحة لإنعاش الاقتصاد، ومشروعا كبيرا لتعميم التغطية الاجتماعية، وأكدنا على اعتماد مبادئ الحكامة الجيدة، وإصلاح مؤسسات القطاع العام”.
وأشار جلالته أيضا إلى أن “مؤسسات الدولة والمقاولات العمومية يجب أن تعطي المثال في هذا المجال، وأن تكون رافعة للتنمية، وليس عائقا لها”.
ومن اجل الاضطلاع بهذا الدور كرافعة للتنمية، يعتمد قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية بشكل خاص على الشراكات بين القطاعين العام والخاص كعنصر أساسي في الإصلاح المذكور.
وفي هذا السياق، يؤكد أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية (جامعة الحسن الثاني)، السيد الحفناوي أحمد، على أن “الاعتماد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتقديم الخدمات العامة سيتيح تعويض النقص في التمويل من أجل إنجاز أو إعادة تأهيل البنى التحتية وبالتالي تحقيق الأهداف ذات الطابع الاستراتيجي والمرحلي”.
وتابع أن الأهداف الإستراتيجية تتعلق بإمكانية الوصول إلى مصادر تمويل أخرى خارج ميزانية الدولة والبحث عن تناسب أفضل بين الجودة والسعر، في حين أن الأهداف المرحلية تتعلق بضرورة استجابة المؤسسات والمقاولات العمومية لانتظارات أكثر إلحاحا في التدبير اليومي للخدمات بما يستجيب لتطلعات المواطنين، مشيرا الى أن “هذا الأمر يتعلق، من بين أمور أخرى، بتحسين جودة الخدمات، وإنشاء وصيانة البنيات التحتية العمومية، وتسريع انجاز الخدمات، ونجاعة الاستثمار”.
وفي معرض تطرقه للقانون رقم 86-12 المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، أشار السيد الحفناوي إلى أن هذا الإطار القانوني يشجع على تعميم تأهيل القطاع العام لإبرام هذا النوع من العقود، والتقييم المسبق للمشاريع، وإعتماد مفاهيم “الحوار التنافسي” والعلاقة بين الجودة/السعر، ومأسسة تقاسم المخاطر والأرباح على أساس مستوى الأداء وكذا آليات تتبع ومراقبة المشاريع.
كما اعتبر، من جهة أخرى، أن المؤسسات العمومية، بالنظر إلى وزنها ودورها، تواجه تحديات كبيرة. ويتعلق الأمر بوجوب أن تكون المؤسسات نماذج يحتذى بها في ما يتعلق بالحكامة والسعي لتحقيق الفعالية ، والمساهمة في الديناميات الاجتماعية والاقتصادية والإنعاش المجالي، وتعزيز جودة الخدمة العامة وإتاحتها للجميع.
ولهذا الغرض، يقول السيد الحفناوي، تسعى السلطات العمومية بشكل متزايد إلى تحسين ممارسات ونجاعة المقاولة العمومية، من خلال إصلاح الرقابة المالية، وإرساء ضوابط المراقبة الداخلية، واعطاء الدينامية لعمليات الافتحاص، وإرساء التعاقد وتحسين أداء مجالس الإدارة.
وأضاف الأكاديمي أن “هذا التطور مهم للغاية، سواء بالنسبة للمرتفقين على المستوى المحلي، أو بالنسبة للمؤسسة نفسها التي ستكسب دون شك الكثير على مستوى الكفاءة والإنتاجية على الصعيد المجالي”.
وبالإضافة إلى ذلك، أشار إلى أن إ رساء ممارسات الحكامة الجيدة يعزز تطوير نسيج اقتصادي تنافسي وتعزيز مناخ الثقة وجذب الاستثمار الوطني والأجنبي، وتسهيل ولوج الشركات إلى رأس المال وتعزيز حضورها واستدامتها.
ولا شك أن هذا الإصلاح الذي يستهدف المؤسسات والمقاولات العمومية يشكل محورا أساسيا لمشروع قانون المالية 2021 وسيظل كذلك بالنسبة لقوانين المالية خلال السنوات القادمة.
ومن بين أولويات قانون المالية 2021، تحقيق مثالية الدولة وتحسين أدائها، لاسيما من خلال إصلاح معمق للقطاع العام ومعالجة الاختلالات الهيكلية في المؤسسات والمقاولات العمومية، من أجل مواكبة كل الجهود الاقتصادية والاجتماعية والمالية في طور الإطلاق وتحقيق أعلى درجات التكامل في مهامها وزيادة نجاعتها كفاءتها الاقتصادية والاجتماعية.
المصدر: الدار- وم ع