جاحد الليلي.. دليل ساطع على أن الوطن بخير ويحرس مقدساته وحدوده كما ينبغي
الدار/ افتتاحية
لا يستحق الصحافي السابق في القناة الأولى راضي الليلي أن يُخصّ بمقال أو تعليق، لأنه أقل من ذلك بكثير. والمداد الذي سيكتب به هذا المقال أغلى من سيرته ومساره، لكن حديثنا اليوم ليس عن المُعيّن وإنما عن النوع. أقصد أنه حديث عن هذه الفئة الموْتورة ممن يعبدون الوطن على حرف، حتّى إذا تغيرت بهم الأحوال، انقلبوا وركبوا أمواج الجحود والحقد. إنها ظاهرة لا يخلو منها وطن من الأوطان، وقد ابتُلي بها وطننا هذا في نماذج بعض من بني جلدتنا من الصحراويين وما أقلهم ولله الحمد.
إن هذه التجربة التي يجسدها جاحد الليلي دليل ساطع على أن الوطن بخير ويحرس مقدساته وحدوده كما ينبغي، وإلاّ لما كان انكشف غدره وخيانته وبرز إلى العيان من بين كل الإعلاميين والصحافيين الذين يعملون في الإعلام العمومي. هذا كائن ظل يرْتع في امتيازات الوطن الذي كوّنه وعلمه ووظفه، وقدم له فرص الارتقاء الاجتماعي، لينتهي به المطاف جاحداً كافراً بكل ما تنعّم به. لكن الجحود “فيه وفيه”، وأسوأ أشكاله وأحقرها ذلك الذي يفْجُر فيه الجاحد في الخصومة، فلا يقتصر على مخاصمة من يعتبرهم فعلا خصوما له، بل يضع وطنه وانتماءه كله قيد المساومة والابتزاز الرخيص.
لو كان هذا الكائن في قلب القناة الأولى اليوم، لكان ناطقا رسميا بكل مضامين الإجماع الوطني والجبهة الموحدة ولدافع باستماتة كما كان في السابق عن حقوقنا التاريخية ومغربية صحراءنا في مواجهة المرتزقة ومن يقف وراءهم. فكم ردد مع كل المغاربة في الماضي قناعاتهم عن وحدتنا الترابية المقدسة، وكم انتقد مثله مثل الجميع عداء الجزائر المستحكم وكيدها الذي لا ينتهي لوحدة المغرب واستقراره. ما الذي يتغير إذا بالنسبة لأمثال هؤلاء الجاحدين حتّى ينقلبوا كل هذا المنقلب ويوجهوا سهام عدائهم للمقدس الذي يعتز به المغاربة جميعا؟
إنه أحقر وأبأس منطق هذا الذي يجعل المرء يراجع كل قناعاته ومقدساته فقط لأنه فقد مورد رزقه أو منصبه أو موقعه الاعتباري بسبب خطأ مهني ارتكبه، أو حتى بسبب تعرضه للظلم أو الاعتداء. لنفرض جدلا أن الرجل كان موضوع حيف أو تعسف، فهل يبرر ذلك انضمامه إلى صفوف الانفصاليين وترديده وتبنيه لأطروحاتهم العدائية التي لا تهدد فردا أو مجموعة بل تهدد وطنا بأكمله؟ كم هو رخيص هذا النوع من الناس الذين يضعون أوطانهم في كفة ومصالحهم وامتيازاتهم الضيقة في كفة أخرى. هناك آلاف المغاربة الذين يحسون بالحيف والظلم إما لأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو حتى ثقافية، لكن ذلك لا يدفعهم بتاتا إلى وضع وطنيتهم وانتمائهم موضع مساومة أو ابتزاز. لا أحد منهم يرفع شعار “أعطني لأكون وطنيا”، فتلك وطنية رخيصة لا حاجة للوطن بها.
إن أفقر أبناء هذا الوطن وأقلهم منصبا وحُظوة يمكنه أن يعطي جاحد الليلي درسا عميقا وبليغا في معنى الانتماء لهذه الأرض والدفاع عن حوزتها والتصدي لخصومها وأعدائها. جرب أن ترشي مغربيا فقيرا مقابل أن ينضم إلى صفوف الانفصاليين أو يرفع علم “جمهورية الوهم” وانظر ماذا ستتلقى من جواب، إن استطعت أصلا أن تخرج تلك الخرقة الوسخة من جيبك أمام أعين المغاربة. بل إن أكثر الناس دفاعا عن هذه المقدسات الترابية هم هذه الفئات الاجتماعية المتواضعة التي ليست لها امتدادات هنا أو هناك، ولا تحمل جنسيات بديلة أو تمتلك حسابات أو عقارات في الخارج. إنهم هؤلاء البسطاء اللصيقون بهذه الأرض، الذين خرجوا ذات نونبر في مسيرة بشرية تاريخية يمدون الجسور مع صحراء المغرب وقلب الوطن.