بعد محاصرتها “البوليساريو” تلجأ إلى إستراتيجية الأرض المحروقة
أكد الأكاديمي الفرنسي- المغربي، يوسف شهاب، أن “البوليساريو” تلجأ إلى إستراتيجية الأرض المحروقة بعد محاصرتها على المستويين السياسي والدبلوماسي.
وأكد في حديث له، أن “البوليساريو محاصرة. فبعدما أضحت تفتقد لهامش المناورة، أصبحت تلجأ إلى إستراتيجية التوتر والأرض المحروقة. والمناورات الأخيرة بمنطقة الكركرات، المنطقة العازلة الرابطة بين المغرب وموريتانيا، ليست سوى الخرطوشة الأخيرة، والوقوف الأخير في معركة تدرك جيدا أنها خسرتها على الأصعدة السياسية والقانونية والإستراتيجية”.
وذكر شهاب بأنه في 30 أكتوبر 2020، اعتمد مجلس الأمن قرارا يقضي بتمديد مهمة بعثة المينورسو لمدة عام واحد حتى أكتوبر 2021، ويدعو إلى إعادة إطلاق العملية السياسية، التي يجب أن تكون واقعية وقائمة على مقترحات ملموسة. وفي هذه الحالة، فإن مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الذي يحظى بأكبر قدر من المصداقية لدى العديد من البلدان الكبرى. كما يتحدث القرار أيضا عن استئناف المحادثات التي تشمل “مرة أخرى” الجزائر وموريتانيا، و”هذا ليس محايدا، بعيدا عن ذلك”.
ومن هذا المنطق -يوضح هذا الأستاذ في جامعة باريس- سوربون- “وجدت البوليساريو نفسها في صعوبة بالغة: أولا قرار أممي رقم 2548 يعزز الوضع الراهن ويطيل مهمة المينورسو. ثم، لم يعد لدى المنظمة الانفصالية أسس سياسية داعمة، إن على المستوى المحلي، الإقليمي أو على مستوى الأمم المتحدة. وأخيرا، فإن البوليساريو، المشككة في عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، تعاني من ابتعاد الجزائر المتورطة في مشاكلها الداخلية: الحراك، الكوفيد.. إلخ. تنضاف إلى ذلك الاضطرابات والتوترات بمخيمات تندوف، حيث أدرك جيل آخر بأن +البوليساريو+ تقودهم نحو الطريق المسدود”.
وفي هذا السياق، بدأت “البوليساريو” مناورات لتحدي قوة المينورسو عبر إرسال عناصر تخريبية على أساس أنهم متظاهرون، لكنهم في الواقع مخترقون من قبل عناصر مسلحة قادمة من تندوف، البعيدة بأزيد من 1000 كيلومتر من المنطقة لجذب انتباه وسائل الإعلام وإثارة التوترات في توقيت دقيق للغاية ومختار بعناية، وهو توقيت صدور قرار الأمم المتحدة الأخير، والانتخابات الأمريكية، والإجماع شبه الكامل للمجتمع الدولي على جدية عرض السلام المقترح من طرف المغرب.
وحسب يوسف شهاب، فإن “البوليساريو” من خلال أفعالها المتكررة منذ 21 أكتوبر المنصرم، تكون قد تجاوزت خطا أحمر، أي الاستفزازات والمساس بأمن المغرب. وباختصار، فإن البوليساريو “تريد الخروج من عملية وقف إطلاق النار على المستوى العسكري. كما تريد الخروج من عملية التفاوض على المستوى السياسي”.
وحسب شهاب، تجدر الإشارة إلى أن الانتصارات الدبلوماسية التي راكمها المغرب بافتتاح قرابة خمس عشرة قنصلية في كل من العيون والداخلة، وجهت الضربة القاضية لجميع المناورات المباشرة لـ “البوليساريو” أو حليفتها الدائمة الجزائر، حيث أنه لا الأمم المتحدة ولا المؤسسات الدولية، سواء كانت إقليمية أو أوروبية أو آسيوية، شككت في شرعية إنشاء فروع دبلوماسية للدول الأفريقية والعربية وقريبا الآسيوية والأمريكية اللاتينية.
وأوضح الأكاديمي الفرنسي-المغربي أن “هذا التغيير في مسار الدبلوماسية المغربية وجه الضربة القاضية لمنظمة في طريقها نحو الانهيار، والتي لم تعد تحظى بدعم ولم يعد لديها هامش للمناورات الدبلوماسية”، مؤكدا أن “الخناق يضيق حول الانفصاليين الذين يلجأون إلى السياسة الكلاسيكية التي تستند إليها البرامج السياسية لمنظمتهم الانفصالية، وهي حرب العصابات، التي تتمثل في إرسال مجموعات من المرتزقة لإثارة التوترات بغرض يائس يتمثل في جعل المغرب يقع في فخ الرد العسكري على السكان المدنيين”.
ووعيا منه بالمناورات الانفصالية، “برهن المغرب على ضبط النفس وأبلغ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”، مشيرا إلى أنه “في ظل غياب ردود فعل ملزمة إزاء +البوليساريو+، قرر المغرب، الذي وجد نفسه في حالة دفاع مشروع عن النفس، الشروع في عمليات غايتها تأمين المنطقة دون التسبب، مع ذلك، في عمل عسكري غير متناسب”.
وحسب يوسف شهاب، فإن “رد فعل المغرب على المستويين الدبلوماسي والعسكري كان في مستوى الوضع. حيث تعاملت الدولة مع هذه الأزمة على مراحل: أولها تحذير المنظمة الانفصالية من أعمالها الانتحارية التي من شأنها المس بعملية السلام وتقويض اتفاق وقف إطلاق النار. وعلى مستوى الأمم المتحدة، من خلال مخاطبة الهيئات الدولية برسائل رسمية حول السلوك غير المسؤول والخطير لجبهة “البوليساريو””.
وبالموازاة مع ذلك، “أكد المغرب في مناسبات عديدة، وهو ما تم التذكير به بوضوح شديد في الخطاب الأخير لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أنه منفتح على المفاوضات للمضي قدما في هذه العملية حتى نهايتها، أي حل مقبول لدى الجميع، ما يعني بوضوح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الذي تسانده عدة دول، لكن المملكة كدولة ذات سيادة، كدولة تمارس سيادتها الكاملة على أراضيها، لها الحق المشروع في الرد على أي اعتداء يطال أمنها الوطني، وأي عرقلة لحرية مرور البضائع والأشخاص بين المغرب وموريتانيا”.
ووفقا ليوسف شهاب، فإن “الكرة في ملعب “البوليساريو” الذي يتوجب عليها احترام قرارات الأمم المتحدة وعدم الانخراط في هذه اللعبة الخطيرة. لأن لعبة الحرب تنتهي دائما بالانقلاب على من أطلق شرارتها”.
وأضاف الأستاذ الجامعي أنه من خلال اتخاذ قرار بخرق وقف إطلاق النار “من جانب واحد” واستئناف حمل السلاح، تنخرط البوليساريو في عملية انتحارية يائسة، على الرغم من أن الانفصاليين أدركوا بأن اللعبة انتهت على المستوى الدبلوماسي. فـ “الآن، على المستوى العسكري البحت، إذا استمرت البوليساريو في هذه المقاربة الانتحارية، لن تكون الحرب بأي حال في مصلحتها”، مشيرا إلى أن “المغرب بلد مسؤول، وبلد عضو في المنتظم الدولي. فهو يحترم القوانين والالتزامات والاتفاقيات التي وقعها، ويلتزم التزاما كاملا بعملية السلام.
وتابع شهاب ضمن تحليله “ولكن إذا تم تجاوز الخطوط الحمراء، أي إذا شنت البوليساريو هجمات عسكرية على طول الحدود من تندوف إلى الكركرات، فإن المغرب سيرد وسيكون في موقع الدفاع المشروع عن النفس”.
واعتبر أن تهديدات “البوليساريو” بإعادة حمل السلاح ليست سوى بالونات اختبار يطلقها الانفصاليون بيأس، من أجل دفع الأمم المتحدة، ربما، إلى الإسراع بعملية التسوية”.
واعتبر يوسف شهاب أن “التهديدات بالعودة إلى السلاح هي مجرد مناورات نفسية كلاسيكية للغاية، حيث تدرك البوليساريو أنها لا تمتلك الوسائل التقنية ولا الوسائل العسكرية لبدء حرب ضد القوة الحربية للمغرب (…)، وحتى الجزائر يمكن أن تخشى هذا الخيار غير المسؤول”.
وأضاف أنه في مواجهة هذا الوضع، فإن “الانفصاليين ليس لديهم حل آخر سوى احترام خارطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة. كما يجب عليهم العودة إلى طاولة المفاوضات برؤية مستقبلية: لأن الانفصالية، والاستفتاء، والجمهورية.. كل هذه المفاهيم عفا عليها الزمن، وغير واقعية، وغير قابلة للتطبيق”.
وختم بالقول “لقد فهم الجميع أن العرض المغربي هو الأقرب للإنصاف والواقع من أجل تسوية هذا النزاع الذي عمر طويلا”.
المصدر: الدار– وم ع