هل يمكن أن تقدم الجزائر على خطوات أكثر عداء تجاه المغرب؟
الدار / افتتاحية
من المؤكد أن الموقف الجزائري النشاز من قضية الوحدة الترابية سيزداد حدة على المديين القريب والمتوسط. ليس لأن السلطات الجزائرية ستعبر عن انسجام مع مواقفها التقليدية من هذه القضية، ولكن أساسا لأن مواقف الدول العربية تعرف تحولا نوعيا غير مسبوق. فمنذ فتح دولة الإمارات العربية المتحدة قنصليتها في مدينة العيون، انطلقت دينامية جديدة في تعاطي العديد من بلدان المنطقة مع القضية الوطنية. البحرين، سلطنة عمان، الكويت، الأردن وغيرها من الأقطار العربية تعبر لأول مرة منذ عقود عن موقف إيجابي بخصوص هذا الملف.
هذه الخلخلة التي نقلت قضية الصحراء من دائرة القضايا الثانوية غير المطروقة في العلاقات البينية العربية العربية إلى دائرة تسليط الأضواء وقراءة التاريخ، هي التي تحرج الجزائر، وستدفعها ربما أكثر نحو المزيد من المواقف العدائية والاستفزازية الصريحة. كان أول هذه المواقف طبعا دفع البوليساريو نحو إعلان الانسحاب من اتفاق وقف إطلاق النار. وما تلا ذلك من تصريحات وأجواء إعلامية مشحونة داخل الجزائر يؤكد أن الضربة التي تلقتها في معركة الكركرات كانت موجعة. منذ زمن لم نسمع تصريحات في الإعلام الرسمي والقنوات التلفزيونية على الخصوص تطرح خيار الحرب وتحلل أبعاده وقدرات كل طرف على حسم المعركة عسكريا.
لذلك فإن الحذر مما هو آت أمر ينبغي استحضاره جيدا. هذا الكلام ليس نفخا في النار، لكنه تنبيه مؤسس على مؤشرات ملحوظة في الخطاب الرسمي الجزائري، ومستنتج من واقع إدارة وصنع القرار هناك في الوقت الراهن. ما معنى أن يوجه قائد الجيش الجزائري قبل أيام قليلة توجيها استراتيجيا بتكثيف الصناعات العسكرية الجزائرية لإنتاج الأسلحة والذخائر؟ لمن ستصنع هذه الذخائر في السياق الحالي؟ العلاقات بين المغرب والجزائر تمر اليوم بأزمة لم تعد صامتة. والجنرالات الذين أقاموا سلطتهم على خطاب الأزمة والتهديد الخارجي لا يريدون فقدان هذه الورقة في مواجهتهم مع الحراك الشعبي. والعقلية العسكرية يمكن أن تذهب إلى أبعد مدى في خلق أجواء التوتر المبررة لتأجيل خيار الحكم المدني.
لقد سمحت الجزائر أصلا بتفجر الأوضاع وتأزيمها ولو إعلاميا ونظريا. وإلا فما رأي السلطات الجزائرية في البيانات العنترية التي تصدرها جبهة البوليساريو منذ أيام وتدعي فيها أنها تخوض مواجهات عسكرية مع القوات المسلحة الملكية وتنفذ عمليات عسكرية ضدها؟ إذا صحت هذه الأنباء فهذا إعلان حرب صريح ما دامت الجزائر توفر للانفصاليين قواعد التمركز فوق أراضيها وتزودهم بالسلاح والعتاد اللازم للقيام بما يدّعونه. المسؤول عن تفجير المواجهة العسكرية هي الجزائر وليس الانفصاليون الذين يعرف الجميع أنهم مجرد دمية في يد المخابرات الجزائرية.
نحن نعيش اليوم مرحلة حاسمة في قضية وحدتنا الترابية، وهذه المكتسبات الدبلوماسية والميدانية والتنموية التي تتحقق تمثل استفزازا للكبرياء المصطنع للعسكر في الجزائر. ولهذا كان رد فعلهم بهذا المستوى المباشر من المواجهة، ومن المحتمل أن يتطور هذا الموقف إلى ما هو أبعد، خصوصا إذا ازدادت الأزمة الداخلية تعقيدا. هل نحن قلقون إذا من احتمالات إقدام العسكر في الجزائر على خطوات أكثر عداء واعتداء؟ نعم، يجب أن نقلق ونحذر ونستعد. لكن قلقنا توازيه أيضا طمأنينة نابعة من وحدة جبهتنا الداخلية، وتأهب قواتنا المسلحة واحترافيتها، وكذا من هذا التبصر والحكمة التي يدار بها هذا الملف وتتخذ بها قراراته. فلو كانت القضايا الكبرى تُسير في المغرب بمنطق الانفعال والأهواء لكنّا اليوم في أتون حرب طاحنة لا يعلم إلا الله نتائجها وتداعياتها.