نداء مغرب المستقبل
وضعت جائحة فيروس كورونا المستجد الصحة والحرية والكرامة الإنسانية على المحك في جميع أنحاء العالم، وكشفت، بفعل تهديدها لحياة الناس، وتأثيرها على طرق عيشهم، أن بناء الدولة الديمقراطية هو صمام الأمان، والإطار الأنسب لاختيار السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الناجعة، القادرة على مواجهة تحديات المرحلة التاريخية، التي تعيشها الإنسانية، وعلى ربح رهاناتها المعقدة والمتداخلة.
لقد أبانت هذه الجائحة أن الدولة الديمقراطية هي الإطار الضامن لسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات، وتأهيل عمل الوسائط المدنية من أحزاب ونقابات وجمعيات، وتوفير المعلومات الموثوقة، وبناء الإعلام الحر، المتصدي لحملات الدعاية والتضليل، وتعزيز رصيد الثقة الاجتماعية، وتحفيز الناس على الاهتمام بالشأن العام، والمشاركة فيه، والرفع من منسوب الاستعداد العام للحوار، والتضامن، والتضحية، لمواجهة الصعوبات، ومعالجة الانقسامات، وتحقيق التوازن المستدام بين استغلال الموارد وتلبية الاحتياجات.
ومع أنه يصعب التكهن بكل ملامح المرحلة الجديدة، التي يقبل عليها العالم، إذا ما تم استيعاب خلاصات هذه الجائحة ودروسها العميقة، بشكل إيجابي، و إذا لم تلجأ القوى المتحكمة في الرأسمال، كما فعلت لفك الأزمات السابقة، إلى تعبئة ثروات الملزمين وإعادة توزيعها على الشركات، فإن العالم لا محالة سيعرف انبعاث نزعة إنسانية، في مواجهة منظومة القيم الليبرالية القائمة، التي أخفقت في الوفاء بوعودها لتحقيق الحرية، والمساواة، والثقة في المستقبل؛ بما يفرض إعادة ترتيب الأولويات، لتصبح الصحة، والتعليم، والسياسات الاجتماعية، والخدمات العمومية، ذات أسبقية في الدول الفقيرة والغنية، على السواء، بما يؤشر على نهاية هذا العالم و بداية عالم جديد.
وفي المغرب، فإن هذه الجائحة لم تعمل على تضخيم المؤشرات فقط، التي تنذر للأسف باحتدام أزمة اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة، بل عزَّزت الدعوة الملكية لصياغة نموذج تنموي جديد بشروط وتحديات جديدة، حيث بدَّدت الضبابية المحيطة بآفاق النظام العالمي، وسرّعت من وتيرة تشابك عوامل اقتصادية، وسياسية واجتماعية، وثقافية، كانت موجودة أصلا، ودفعت بها لخلخلة العلاقات، التي انتظمت، على امتداد عقود من الزمن، بين الدول، والمجتمعات، والأسواق؛ في فرق بين عما أفضت إليه أزمات الاقتصاد، والسياسة، والبيئة والأوبئة، السابقة.
لقد طرحت هذه الجائحة ضرورة أن يتوخى تغيير النموذج التنموي تحديد المبادئ المهيكلة للنموذج الحالي تحديدا جيدا ودقيقا، بغية فهم حدوده، واقتراح السبل الكفيلة بتجاوزها. و كشفت حجم الدمار الذي أصاب الخدمات العمومية الضرورية للحياة الكريمة، بفعل عقود من تنفيذ سياسات التقشف والتقويم الهيكلي، المنتجة لفجوة اللامساواة، وللفقر، والهشاشة، واستغلال البشر والبيئة، المملات من لدن مؤسسات الائتمان الدولية، نتيجة تفاقم المديونية العمومية، في ظل عجز الثروات الوطنية، بما فيها الفوسفاطية والبحرية والفلاحية، على بناء نموذج اقتصادي مستقل وفعّال.
و في ظل هذا السياق، تطرح على الفعل السياسي الوطني، تحديات جديدة، وتتضاعف هذه التحديات بالنسبة لقوى اليسار تحديدا، بما هي نتاج سيرورة مجتمعية، متجذرة في النسيج الاجتماعي الشعبي، شكلت، على مر عقود، طليعة الكفاح من أجل الديمقراطية والمساواة والعدالة، وقدمت من أجل ذلك تضحيات جسام، وساهمت خلال حقبة الثلاثين عاما المجيدة، ضمن نضالات الطبقة العاملة، في انتزاع مكاسب اجتماعية هامة، كما ساهمت في تأميم العديد من الثروات الوطنية، ما زاد في قوة التدخل الاقتصادي للدولة.
ومع أن السؤال المركزي الذي يواجه الفعل السياسي الوطني ينصب على رفع تحدي تصحيح المسار، وتمكين المغرب مرة أخرى من إعادة تملك الإرادة السياسية لبناء ديمقراطي حقيقي، فإن مساءلة التجربة الديمقراطية المغربية، ومآلات توافقاتها الكبرى، تبقى ضرورية، كذلك، إذ إن مساءلة الإرادة الجماعية لبناء ديمقراطية حقيقية، تستجيب لتحديات المرحلة التاريخية، التي تعيشها البلاد، وتجعل المغرب يعبر بأمان، خلال العقود المقبلة، تفرضها قراءة واقع المشهد السياسي الوطني، الذي أصبح يسير عكس المجرى العام، المفروض أن تسلكه البلاد.
لقد أنعشت الإصلاحات التي انخرط فيها المغرب غداة اعتلاء الملك محمد السادس عرش المملكة، والمتمثلة في هيكلة العديد من الحقول، آمال وتطلعات المغاربة لإحداث التغيير المنشود. ولم تكتف المبادرات والمشاريع والمخططات، التي أطلقها الملك، في شكل أوراش كبرى، في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية والدينية والأمنية، بتجديد مشروعية المؤسسة الملكية، وتقديم المغرب كنموذج ناجح للإصلاح، بل فتحت آفاقا جديدة للبناء الديمقراطي، وإنجاز مهام بناء الدولة الديمقراطية، دولة القانون والمؤسسات.
وهي الآفاق التي تعززت بفضل ما أفضى إليه التعاطي الإيجابي مع سياقات ما عرف بـ”الربيع العربي”، انطلاقا من دينامية المجتمع المغربي الداخلية، وتراكم نضالات قواه الحية، وفي تناغم مع ما نص عليه دستور 2011، الأكثر تقدما، شكلا ومضمونا، مقارنة مع كل الدساتير السابقة. غير أن المعالجة السياسية، والأمنية، والقضائية، للعديد من الملفات، وتبني سياسة العصا والجزرة في بعض القضايا، أعطت انطباعا بوضع خيار الانفتاح الديمقراطي للمغرب بين قوسين، رغم أن هذا الخيار قد أعتبر خيارا نهائيا لا رجعة فيه، بما أن وثيقة الدستور قد نصت عليه، و تحدثت عنه خطب ملك البلاد.
ولا يخفى مدى تعدد الصور المجسدة للتراجعات، التي مست المجتمع في مختلف تفاصيل حياته اليومية، والتي اختلفت أساليبها بحسب المجالات، حيث عادت الممارسات السلطوية للتضييق على الحريات العامة، وطغى الاحتكار على قطاعات حيوية من الاقتصاد، وتم تسريع إفساد قيم المجتمع والمؤسسات، هذا كله في وقت تم فيه تشديد الخناق على عمل الوسائط الجادة، من أحزاب ونقابات وجمعيات، حتى نال منها واقع التشرذم والانقسام، وتخلت عن أدوراها ووظائفها ومواقعها، وتقلص منسوب عملها، واضمحل خطابها، واضمحلت معه صورتها لدى الرأي العام، الذي أصبحت تتقاذفه تيارات الشعبوية، والتبخيس، والغلو، والاستسلام.
كما استمر مسلسل التراجع في أداء هذه الوسائط، وفي مقدمتها الأحزاب السياسية، ورغم أن احتجاجات الريف، وجرادة، والأساتذة المتعاقدين، والممرضين، وغيرها، كشفت حاجة البلاد إلى أحزاب قوية، وفندت المزاعم، التي كانت ترفع فزاعة الأحزاب القوية، حيث تبين بالملموس أن الخوف من الأحزاب لا يكمن في قوتها، بل في عجزها وضعفها، فإن مسار العمل السياسي واصل انحداره إلى المجهول، نتيجة لما أصبح يراه الجميع من تكريس لمظاهر التعددية العددية الشكلية، وضبابية الممارسة السياسية، التي أضحت تشكل تهديدا خطيرا للفعل السياسي، و تبعد الناس عن السياسة وعن الشأن العام، بما يشكله ذلك، على أرض الواقع، من شرخ كبير بين المجتمع والدولة.
إن حالة الضبابية في المشهد السياسي ببلادنا تتجلى في أزمة أطروحة التوازن السياسي، ووصول مؤشرات هذه الأزمة لدرجة اَلمسِّ بالخطوط الحمراء، أي الإجماع، وعدم وجود خيارات يعول عليها لتجديد هذه الأطروحة. فالسلطة، منذ أكثر من نصف قرن، كانت تبني أطروحة التوازن من خلال أحزاب إدارية موالية، وقوى إصلاحية ديمقراطية، فضلا عن توظيف بعض المؤسسات الدستورية، حتى ولو ظهر خروجها عن الأطر التي تطبع حيادها. من هنا، كانت الضبابية، في المغرب، تعني غياب الخيارات أو تقلصها بشكل كبير، كما تعني، في الحد الأقصى، خروج المشهد السياسي عن الضبط، بسبب تواتر الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية.
وإذا كانت ضبابية الوضع السياسي الوطني وانحساره، وتفاقم أزمته، من صميم المسؤولية التاريخية للدولة، فإنه ينبغي الاعتراف بأن الأحزاب السياسية، وخصوصا أحزاب اليسار، تتحمل قدرا كبيرا من المسؤولية كذلك، سواء فيما يرتبط بمسؤوليتها عن حالة التشتت، التي تعاني منها أحزابها، أو فيما يرتبط بعجزها عن الربط والتوفيق بين مواقعها السياسية المتغيرة، والدفع بمعركة فرض إشعاع القيم المناهضة للعدمية والتيئيس والتبخيس والرجعية، وهي المعركة التي لا يمكن تصورها في معزل عن معركة النضال الديمقراطي، من أجل فك الارتباط القائم بين السياسة والدين والمال والأعمال؛ ناهيك عن تحلل جزء من نخبها من التعاقد المبدئي، الذي يربطها بالدفاع عن الفئات المظلومة، وارتمائها بشكل انتهازي في أحضان مجاراة وتبرير السياسات القائمة، ما أثر على مصداقية العمل النضالي، الرهين بالاستقامة، والاستقلالية، والتشبث بالقيم والاختيارات المبدئية.
واستجابة للمهام السياسية والتنظيمية المطلوب إنجازها في هذه المرحلة المفصلية في حياة شعبنا وبلادنا، وبدافع الوعي المتزايد بضرورة إنجاز هذه المهام، التي لا تحتمل التأجيل، والتي تجعل كل تأخير في إنجازها، خسارة للقوى الحية في البلاد، ولعموم الفئات الاجتماعية المتضررة من أوضاع الظلم القائمة، فإن مبادرتنا لتوحيد الفعل، بهذا الشكل الجديد، في صورة ائتلاف سياسي، حقوقي ومدني، يهدف إلى إطلاق دينامية مجتمعية، تستلهم خطها الفكري من القيم الإنسانية الكبرى، بقيادة الحزب الديمقراطي الحداثي المنفتح، القادر، في ظل تحولات القرن الواحد والعشرين، على القيام بالمهام الجديدة، لخدمة الشعب والوطن، وتعزيز مداخل التحول الديمقراطي الآمن بالبلاد.
إننا نعلن، اليوم، تجديد استعدادنا لرفع تحديات الفعل الجاد، باعتبارنا قوى يسار حداثي، من مهامها المستعجلة توحيد الفعل، واستعادة المبادرة، من أجل ترسيخ المكتسبات التاريخية، وتعبئة المواطنين للكفاح الديمقراطي، وفتح آفاق جديدة لإرساء حياة ديمقراطية حقيقية، وتعاقد مبدئي مع الجماهير الشعبية. لقد آن الأوان لننزل جميعا من البرج العاجي، الذي اعتلته عموم النخب السياسية والحزبية والثقافية والمدنية، معلنين استعدادنا الكامل للقيام بنقد ذاتي، من أجل التأسيس لبناء المستقبل، الذي وضع لبناته الأولى قادتنا وآباؤنا خلال فترات مضيئة من تاريخنا الوطني، الضارب في عمق التاريخ الإنساني.
إنها مبادرة نابعة من تطلعات قوية لفاعلين، ولقوى كامنة في المجتمع، تتطلع لإعمال وتفعيل مقتضيات دستور2011، وتأويله تأويلا ديمقراطيا، بما هو الدستور الذي علَّقت عليه كل القوى الديمقراطية آمالا عريضة في تسريع وتيرة الانتقال الديمقراطي، الذي طال أكثر من اللازم، بفعل تأجيل حلقاته ومهامه، خصوصا بعد أن تكررت مآسي المحطات الانتخابية، التي جرت في كنف هذا الدستور، وما أفضت إليه من مؤسسات هشة، تعمل وفق أجندات بعيدة عن تطلعات عموم الديمقراطيين، وعن اهتمامات ومشاكل المواطنين؛ وهو ما فسح المجال من جديد للسير بالحياة السياسية الوطنية في منحى تبخيس العمل الحزبي، و تضييق دائرة الفعل والتمثيل السياسيين الجادين.
وإذا كانت مبادرتنا تجعل من الديمقراطية اختيارا شموليا ونسقيا، بما يطرح مهام الإصلاح السياسي والمؤسساتي، من أجل رد الاعتبار للعمليات الانتخابية، كآليات ديمقراطية للمساهمة في اتخاذ القرار السياسي، فإنه ينبغي التأكيد على أنها تنطلق من وعي عميق بدقة وأهمية المرحلة التاريخية والاستثنائية، التي تجتازها البلاد، وتتجاوز في حمولتها حدود التنافس الانتخابي، لتسائل الفاعلين السياسيين مجتمعين، تنظيمات، ونخبا، وفعاليات، وكل المناصرين للمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي، حول مدى قدرة الجميع على رفع تحديات هذا الوعي، وتمكين المغرب من إعادة تملك مبادرة بناء الديمقراطية الحقة.
إنه الوعي نفسه الذي يجعل من هذه المبادرة في خدمة وحدة اليسار، وجعله منسجما مع قناعاته المرجعية والإيديولوجية، سعيا لجعله قادرا على الفعل في صفوف الجماهير الشعبية، على أرضية برنامج الحد الأدنى المعبر عن طموحات الجماهير الشعبية، وهو ما يجعل منها مبادرة مفتوحة في وجه جميع الديمقراطيين، منفتحة على جميع الاجتهادات، التي يمكن أن تغني فهم اليسار، ودوره، وأشكال نضاله، من أجل تجديد الثقة في النخب السياسية، وفي العملية الديمقراطية برمتها، التي تلتقي حولها الأحزاب السياسية، والمنظمات النقابية، والحقوقية، والثقافية، والتربوية، وكل القوى الحية في المجتمع.
إن مبادرتنا هذه، التي بقدر ماهي مفتوحة في وجه القوى الحية في المجتمع، مفتوحة، وبشكل أكبر، في وجه اليسار الكامن في ثنايا وتعبيرات المجتمع المغربي، الموجود خارج التنظيمات الحزبية، والنقابية، والجمعوية. لأنها، في الأساس، مبادرة تهدف إلى تأسيس جبهة سياسية جديدة، وفعل سياسي ديمقراطي مستوعب لتحديات القرن الواحد والعشرين؛ إنها مبادرة تسعى لاستيعاب اللحظة التاريخية، قادرة على استقراء مكنوناتها، والبحث في خلفياتها وتحولاتها، حتى نكون، كمغربيات ومغاربة، قادرين على بناء جسر الانتقال نحو الآليات التأطيرية المستقبلية، وبناء النظرية التحليلية الجديدة، المؤهلة لتفكيك وبناء المشروع المجتمعي، بثقافته، واقتصاده، وإنسانه؛ ليكون مغربنا، بذلك، على موعد للانخراط في عالم جديد يلوح في الأفق.
إن هذا المشروع، الذي يعبر عنه “نداء مغرب المستقبل” هو حلم وأمل يفتح لنا أفاق إطلاق ديناميكية جديدة.
و لإطلاق ورش مجتمعي جديد، فلا خيار أمامنا، كمواطنات ومواطنين، شبابا، و شيوخا، أساتذة، و باحثين، أدباء، و مثقفين، أطباء، و مهندسين، عمالا وفلاحين، إلا أن نتجهد جمعيًا، لبناء قوة هذا الوطن الذي نحبه، ونسعى لبنائه، حتى يكون مغرب المستقبل، مغرب الغد، مغرب الحقوق والعلم، والمعرفة، والقوة الاقتصادية، والعلمية، والعسكرية، والفضاء الإنساني المستوعب لتنوعه، والحاضن لجميع بناته وأبنائه.
وبهذا الصنيع فقط نكون جديرين بحمل الرباط المتصل بمن اجتهدوا وكافحوا في بناء مغرب الأمس، ونحن ندعوكم لبناء مغرب اليوم والمستقبل.
إن اللحظة التاريخية، تفرض علينا إما أن نركب سفينة الاجتهاد والتحدي والمواجهة، مسلحين برصيد الفكر الوطني، والمخزون الحضاري التاريخي، المتجذر في الهوية الوطنية الغنية بتعددها، والمنفتحة على القيم الكونية المثلى، وإما أن يكون مصيرنا مصير أقوام كان لها حضور باهت في التاريخ فانتهت وانتفت.
من هنا، فاختيارنا اليوم أن نكون على موعد مع التاريخ، وأن نعود لمصدر ثروتنا وقوتنا، وأن نستمر في مد جسورنا إلى العالم.
و على الرغم من أن مبادرتنا لا تتوخى بناء منطلقات بديلة عن المنطلقات، التي تعمل على أساسها أطرافها، فإنه من المفيد التذكير بعموم الاختيارات الكبرى، التي تقوم عليها، والتي تجعل الديمقراطية اختيارا شموليا، ذا أبعاد اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وثقافية، نسقية ومترابطة، في خدمة التوجهات والأهداف التالية:
استكمال وصيانة الوحدة الوطنية والترابية للمملكة، عبر العمل للوصول إلى حل سياسي نهائي ودائم بخصوص قضية الأقاليم الصحراوية، وتبني عمل دبلوماسي مناضل مؤمن بشرعية وعدالة الحقوق المغربية في قضية المدينتين المغربيتين السليبتين سبتة ومليلية والجزر التابعة لهما، بما يتطلبه ذلك من تقوية الجبهة الداخلية، واستحضار أهمية وثقل الإجماع الوطني في المعارك الوطنية، ومن ضرورة إشراك القوى السياسية الوطنية فيها.
تصليب البناء المؤسساتي الوطني بالتنزيل الديمقراطي للدستور، ولورش الجهوية، وتعزيز مقومات دولة القانون والمؤسسات، عبر إعادة إنشاء وظائف الدولة، وتكييف تدخلاتها حسب أهداف التنمية، بالشكل الذي يجعلها تسترجع، من جديد، وبصيغ فعالة، مكانتها الاقتصادية والاجتماعية، من أجل تلبية حاجيات المواطنين، والرفع من جودة الخدمات العمومية؛
تحرير الديناميات والاختيارات الاقتصادية المهيكلة قصد الرفع من وتيرة النمو الاقتصادي، من خلال إعادة النظر في وظائف الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، ومحاربة اقتصاد الريع، والامتيازات، والمضاربة بكل أشكالها، لكون هذا النوع من الاقتصاد يقتل المبادرة، ويكدس الثروة في أيدي من لا يساهمون في إنتاجها، واستبداله باقتصاد يعتمد على المعرفة والقدرات اللامادية، وعلى الإمكانيات الذاتية والدولية لتأمين نمو مستديم، كفيل بتوفير شروط خلق الثروة، وإنتاج فرص الشغل، وتحقيق التنمية الشاملة، في احترام للبيئة؛
إقامة مجتمع الكرامة، والعدالة، والمساواة، والإنصاف، والحماية الاجتماعية، من خلال الحث على إنتاج الثروة وضمان التوزيع المنصف لها، ومكافحة جميع مظاهر الإقصاء والحرمان الاجتماعي، عبر النضال ضد ضرب القدرة الشرائية للمواطنين، وآفة البطالة، اللتين تهددان تماسك المجتمع. وكذا مواجهة كل مصادر التفاوتات الاجتماعية، والمجالية، والتهميش، والهشاشة، والجهل، والأمية، وإدماج الجميع في الحركية التنموية، وتوفير الخدمات الاجتماعية الضرورية لكافة المواطنين، وتحسين أوضاعهم المعيشية؛
مراجعة نص قانون مدونة الأسرة في كليته استجابةً للتحولات التي يعرفها الواقع اليومي للمرأة، وفتح أوراش الإصلاحات التشريعية التي تهم قضايا المساواة بين النساء والرجال في أفق بلورة سياسات عمومية تستجيب لأطروحة النوع الاجتماعي الشمولية تأسيسا على المعايير الأممية لحقوق النساء.
إصلاح المنظومة التعليمية حيث إن واقع المدرسة اليوم يستدعي منا وقفة تقييمية لصياغة نظرة تربوية تؤسس لإصلاح بيداغوجي حقيقي؛مادامت منظومة التربية والتكوين تفرض علينا اليوم اِبتكار منهاج تربوي ومعرفي جديد يؤسس لمدرسة المستقبل مدرسة النهضة والتقدم الإفريقية.
اعتبار الثقافة ضرورة فاعلة لتشكيل الوعي الحداثي الديمقراطي، وأصل مركزي لتأهيل العنصر البشري، وتحقيق التنمية، وتحفيز اقتصاد المعرفة، والعمل على صيانة قيم الشخصية والهوية المغربية الموحدة، والغنية بتعدد مكوناتها وروافدها، وإثرائها عن طريق التفاعل الإيجابي مع قيم الحضارة الإنسانية، وقيم الحداثة القائمة على الحرية، المسؤولية، والتضامن، والمساواة، والتسامح، واحترام الآخر.
اعتبار النضال الاجتماعي والحقوقي مطلبا وحاجة مجتمعية، انطلاقا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، من خلال تكريس سمو المرجعية الكونية عن القوانين المحلية، بما يفرضه ذلك من تحديث وملاءمة للترسانة القانونية الوطنية، مع مضامين ومقتضيات المواثيق والمعاهدات الدولية، ذات الصلة بحقوق الإنسان، كما هي متعارف دوليا؛
تعضيد وسائل وقنوات انفتاح المغرب على المحيط الخارجي، عبر مواصلة الالتزام بتقوية جذور المغرب الإفريقية، وقيم التعاون جنوب جنوب، وبناء الفضاء المغاربي، وتمتين الشراكة المغربية والأورو متوسطية، مع الالتزام الدائم بدعم كل قضايا الشعوب العادلة، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني، وبالتضامن والتكامل العربي والإسلامي، والمساهمة في بناء نظام عالمي جديد يخدم قضايا التنمية والبيئة والسلم والاستقرار والاحترام المتبادل بين الشعوب.