كيف يمكن استثمار دينامية الكركرات لإنهاء النزاع المفتعل؟
الدار / افتتاحية
الإدارة الكفؤة لملف الصحراء المغربية تؤتي ثمارها أمام أعيننا اليوم. نحن نتابع جميعا كيف تبرز الجبهة الداخلية وحدتها بشكل مبهر تجاه قضية وحدتنا الترابية. رأينا كيف تفاعل الجميع أفرادا ومؤسسات، من المجتمع المدني إلى الفاعلين الاجتماعيين إلى الأحزاب السياسية إلى القيادات المحلية والسلطات العمومية من أجل تحصين المكتسبات التي تم تحقيقها، وبعث رسالة حاسمة للعالم ولخصوم وحدتنا الترابية. رأينا كيف سافرت قيادات الأحزاب السياسية بشكل موحد وجماعي للمنطقة لإصدار بيان الكركرات، والتعبير عن موقف المغاربة الموحد والخطوط الحمراء التي لا يمكن السماح بتخطيها.
ومن الواضح أن أصدق ما ذكره رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في مسار تصريحاته هو اعتباره أن ما حدث في الكركرات أقبر وإلى الأبد المشروع الانفصالي. هذه المسألة ليس فيها أي مبالغة، لأنها فعلا أظهرت حدود المناورات الانفصالية من طرف جبهة البوليساريو وحتى من جهة الجزائر. لقد كشفت هذه الأزمة القوةَ الكرتونية للانفصاليين الذي لا يحسنون إلا الصراخ والعويل، ويعيشون على ذكريات معارك الحرب الباردة، وشعاراتها الجوفاء. لقد انتهت حدود رد فعلهم عند التهديد وإطلاق بعض الرصاصات الطائشة في الهواء، وانتهى الموضوع.
هذا أقصى ما يمكن أن يفعله الانفصاليون في الظرفية الحالية وحتى في المستقبل. لقد تآكلت الأطروحة الانفصالية، ولم تعد حتى الجزائر المهزوزة بصراعاتها الداخلية وهشاشة نظامها السياسي، قادرة على بلوغ درجات أكبر من الاستفزاز في صراعها مع المغرب، وفي معاكستها لوحدته الترابية. وهذه هي أهم المكاسب التي جناها المغرب من تدبيره الحكيم لأزمة الكركرات. إنه كشف الهشاشة والضعف الذي يعتري موقف الانفصاليين وسندهم الدبلوماسي والسياسي. وإذا كان هذا الضعف قد انكشف اليوم للعيان وبوضوح، فإن ذلك يعني أن المرحلة المقبلة يجب أن تجسد تغييرا في استراتيجية المغرب.
وقد بدأت معالم هذا التغيير الاستباقي بإقدام القوات المسلحة الملكية على تمديد الجدار الأمني العازل للقطع مع تطفل الانفصاليين على الأراضي المغربية، وتهديدهم لأمن وسيولة التجارة الدولية على الحدود المغربية الموريتانية. بعبارة أخرى لن تعود مثل هذه الخروقات من جديد في المستقبل بعد أن حصن المغرب حدوده بذكاء دون إطلاق رصاصة واحدة. وهذا يترجم عمليا المقولة الخالدة “المغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها”، وعلى من ينازعونه حقوقه التاريخية أن يشربوا من البحر الأبيض المتوسط الذي يجدون له مسلكا ومنفذا.
دينامية الكركرات إذا ليست مجرد لحظة عابرة من لحظات هذا النزاع المفتعل، بل هي فرصة تاريخية للحسم في الكثير من الخيارات التي اتخذها المغرب بحسن نية في وقت سابق، لكنها ووجهت من الطرف الآخر بالجفاء والتحدي والتعجيز. ومن بين هذه الخيارات مبادرة التفاوض حول الحكم الذاتي التي كانت منحة من السماء للانفصاليين لم يحسنوا استغلالها واستمروا في التعنت والخضوع للتحكم الجزائري. يجوز لنا اليوم ونحن نتابع ما يجري أن نفترض أن هذه المبادرة أيضا لم يعد لها أي مكان في مسار الحل النهائي للقضية، ما دامت لم تجد الصدى الإيجابي المنتظر، وما دامت الجزائر تراهن على تقسيم المغرب كخيار وحيد يرضي طموحاتها وتطلعاتها التوسعية في المنطقة.
وإذا تراجع المغرب عن هذه المبادرة، وهذا حل نرجحه ونؤيده، فإن على الانفصاليين القابعين هناك في تندوف، أن يستعدوا بعد رحيل الجيل الأول، إلى مرحلة التهجير من الأراضي الجزائرية، والبحث عن مأوى لهم، ولن يجدوا طبعا أكثر دفئا من حضن الصحراء المغربية التي لا تستثني أحدا من أبنائها، مهما كان تاريخه لأن “الوطن غفور رحيم”.