أخبار الدارسلايدر

متى يستوعب بعض وزراء البيجيدي الفرق بين المناضل وبين رجل الدولة؟

الدار / افتتاحية

من الواضح أن حزب العدالة والتنمية أفرز نوعين من النخب. نُخب تؤمن بالحزب ومشروعه وقيمه، وتنغمس في ذلك حد الانصهار والانفصال عن كل الظروف السياسية والاجتماعية والتاريخية المحيطة بها. ونُخب أخرى تمتلك القدرة على التمييز بين الالتزام الحزبي والمسؤوليات الوطنية والحكومية الملقاة على عاتقها. هذا الفرق بينهما يخترق بوضوح وزراء حزب العدالة والتنمية داخل الحكومة الحالية وحتى في سابقتها. لكن هذا الفرز ليس سوى انعكاس للخطاب المزدوج الذي يُميز الأحزاب الإسلامية عموما، وحزب العدالة والتنمية خصوصا. ونقصد هنا بالخطاب المزدوج تلك الضبابية التي تسِم مشروعه السياسي، الديمقراطي ظاهريا، والإيديولوجي عمقاً.

هذه المفارقة الملازمة لهذا الحزب، رغم التطور الكبير الذي عرفته تجربته في الاحتكاك بالمؤسسات وبباقي الفاعلين السياسيين، ظهرت بجلاء في التصريحات التي واكبت اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وإعلان المغرب شروعه في استئناف العلاقات مع إسرائيل مع الاحترام الكامل لالتزاماته التقليدية تجاه القضية الفلسطينية، وعلى رأسها رعاية القدس ومكافحة تهويدها في أفق ترسميها كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة. لنقرّر حقيقةً ساطعةً، وهي أن هذا القرار الحكيم في هذا السياق الدولي الحرج، كان بتخطيط وتدبير على مدى شهور طويلة من المؤسسة الملكية، ولم يكن لوزراء حزب العدالة والتنمية أي دور فيه. لو انتظرنا تفعيل العثماني لدبلوماسية حزبه ووزرائه من أجل انتزاع مكسب كهذا، لبقينا نراوح أماكننا ولظلت قضية وحدتنا الترابية في محلها، وخسرت كل المكتسبات الدبلوماسية المخترِقة التي أُعلنت في الأسابيع القليلة الماضية.

وإذا لم يكن وزراء حزب العدالة والتنمية وأحهزتُه قد لعبت أيّ دور في تحقيق هذه المكاسب، فقد كان من المنتظر على الأقل، أن ينخرط الحزب دونما تردد في تثمين ما تحقق وتعزيزه بمواقف واضحة وصريحة، مثلما فعلت ذلك جل الأحزاب والهيئات السياسية والمدنية الوطنية. لكن، ولأن الحزب لا يزال حبيس المفارقة التي تحدثنا عنها، ولخّصناها في آفة الخطاب المزدوج وتناقض طبيعة النخب التي تنشط فيه، فقد تحول هذا الحدث إلى أزمة داخلية، وبدلاً من أن يتم الاحتفاء بقرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعترافَ بمغربية الصحراء بشكل طبيعي وتلقائي، ظللنا مرة أخرى ننتظر ونحاول استمالة العثماني وحزبه لتقديم تصريح إيجابي أو موقف وطني تجاه القضية الوطنية.

إن حدوث هذه الأزمة يعتبر في حد ذاته معضلة سياسية كبيرة ينبغي التوقف عندها طويلا. ما معنى أن يتوقف حزب يرأس الحكومة ويتردد طويلاً، ويخلق جدلاً لا طائل من ورائه حول قضية يُفترض أنها تحظى بإجماع وطني بين كافة المغاربة بمختلف أطيافهم وشرائحهم وفئاتهم وجِهاتهم!! لماذا لم يستسغ الحزب هذه المكاسب دونما حاجة لتمرير رسائلَ ملغومةٍ لإظهار الفاعل السياسي الرئيسي بمظهر المفرّطِ بالحقوق الفلسطينية والمُساومِ بالقضية الوطنية؟ هذه رسائلُ خطيرة جداً، علماً أن حزب العدالة والتنمية أكثر من يعرف أن أسباب إقبال المغرب على هذه المبادرة أسباب وطنية صرفة، الغاية منها تحصين الوحدة الترابية، والحسم مع المكائد التي تخطط من طرف الجار العاقّ، الذي يرفض التطبيع مع المغرب منذ سنوات، ثم يتهمه اليوم بالتطبيع مع الكيان الصهيوني في مزايدة صارخة واضحة.

إذا عدنا إذاً لمسألة ازدواجية النخب التي أفرزها الحزب، فهذا يدفعنا إلى توجيه نقد صريح إلى ما عبّر عنه وزير التشغيل في حكومة العثماني محمد أمكراز الذي اختار استثناءً عن كل وزراء الحزب، أن يقدم تصريحاً ملغوماً بخصوص التطورات الدبلوماسية الأخيرة في منبر إعلامي يمثل نظاماً سياسياً ليست علاقاته الدبلوماسية مع المغرب على ما يرام. اختيار أمكراز لقناة الميادين الممولة من إيران وحزب الله، لتمرير رسائله تجاه القضية الفلسطينية والمزايدة بها على المغرب والمغاربة، هفوة خطيرة لا يمكن أن يقوم بها إلا وزير لم يستسغ بعد كونه وزيراً، ولم يستوعب بعد الفرق بين المناضل وبين رجل الدولة.

زر الذهاب إلى الأعلى