بقلم : يونس التايب
تفاعلا مع موضوع إلغاء اللائحة الوطنية للشباب خلال الانتخابات التشريعية المقبلة، أعتقد أن القرار إذا تم فعلا ترسيمه، فيه وجاهة كبيرة لأنه سيشكل عودة للمسار الصحيح وانتصارا للديمقراطية، وتجاوزا لحالة “تمييز” أريد لها أن تكون إيجابية، لكنها في الواقع كانت سلبية ولم تمكننا من بلوغ أي من الأهداف التي كنا نحاول تحقيقها عبرها.
فباستثناء مكتسبات ضئيلة، لم تحقق اللائحة الوطنية للشباب ما كان مرجوا منها، لا على مستوى تعزيز مكانة الشباب ضمن التنظيمات الحزبية، ولا على مستوى تقوية المشاركة السياسية والانتخابية للشباب، ولا فيما يخص قضايا الشباب التي كان مأمولا أن تحضى بالاهتمام التشريعي، ولا لمسنا يوما أن القدرات الترافعية من داخل مجلسي البرلمان قد تعززت بفضل تواجد النواب الشباب من أجل إخراج سياسات عمومية ناجعة للشباب تساهم في تنميتهم وتحقيق طموحاتهم، رغم تميز آداء قلة قليلة من النواب الشباب. وبالتالي، أرى كثيرا من الحكمة والصواب في ما عبر عنه المدافعون عن إلغاء هذه اللائحة بشكل نهائي.
لكن، بنفس المنطق أتسائل: هل سيتحقق شيء مفيد من إلغاء لائحة الشباب مع الاحتفاظ باللائحة الوطنية للنساء، بل وتحويل عدد المقاعد فيها من 60 إلى 90 مقعدا ؟
صراحة، أتمنى ذلك وأرجو حضورا نوعيا للمرأة المغربية في مجلس النواب، وأتمنى عدم تكرار ما حدث في اختيار عضوات لوائح نسائية تقدمت بها بعض الأحزاب، حيث طغت محاباة تجاوزت أعراف الديمقراطية الداخلية، وتم تهميش مناضلات حقيقيات في مقابل إبراز “مناضلات” ظهرن عشية الانتخابات ولم يكن يعرفهن أحد من قبل، ولا عرف عنهن وجود في الساحة أو قرأت لهن مساهمات سياسية أو نضالية تذكر.
لذلك، إذا كانت التجارب السابقة قد بينت أن اللوائح الوطنية لبعض الأحزاب، عرفت إنزالات “آخر دقيقة”، وخضعت لمعايير لا علاقة لها بتثمين الرصيد النضالي للشباب والنساء، ولا بدرجة الالتزام السياسي والإيديولوجي لهن ولهم، و لا بما يمكن أن تفرزه عملية الانتقاء الديمقراطي داخل التنظيمات الشبابية والنسائية، (إن وجدت هذه التنظيمات أصلا!!!!)؛ أتسائل أليس منطقيا السير في اتجاه تغيير كل “تمييز إيجابي” أثبتت الممارسة عجزه عن تقديم كامل القيمة المضافة السياسية المرجوة منه، والتفكير في شيء آخر كبديل عنه؟؟
الواقع أنه رغم كل النبل والقيم التي تحملها فكرة التمييز الإيجابي، لفائدة الشباب والنساء، لا يمكن للحياة الحزبية أن تتطور، ولا للممارسة التشريعية أن تتقدم وتنفتح من خلال فكرة اللوائح الوطنية، إلا إذا اقتنعت الأحزاب بسمو الديمقراطية داخلها، كآلية لاختيار مسؤوليها وأعضاء هيئاتها التقريرية، وممثليها في اللوائح الوطنية إذا ما تقررت المحافظة مثلا على اللائحة الوطنية للنساء. أما عكس ذلك، فالخوف كل الخوف من أن تبقى اللوائح مجرد ريع سياسي داخل الأحزاب، يتكسر به مبدأ سمو التراكم النضالي على منطق الولاءات للزعامات الحزبية، وتنسف به طموحات مشروعة لمناضلات ومناضلين حقيقيين شرفاء.
وهنا يبقى السؤال الأهم هو : ألا يكمن الحل الجذري لتعزيز مكانة النساء والشباب داخل المشهد السياسي، وفي قلب المؤسسة التشريعية، في إبداع تدابير قانونية جديدة تفرض على الأحزاب السياسية تقوية الحضور الانتخابي لهاتين الفئتين، عبر الرهان عليها وترشيح النساء والشباب للتباري الانتخابي الحقيقي في الميدان داخل الدوائر التشريعية المحلية، والتنافس أمام المواطنين على أساس برامج سياسية واضحة؟
أعلم أن ذلك صعب، ولا يمكن أن نفرض بالقانون على الأحزاب، ما لم يترسخ به الوعي الذاتي لأهلها. لكن، إذا توفقنا في إبداع ما أشرت إليه، فآنذاك، ربما تتقوى أكثر حظوظ تعزيز الحياة الديمقراطية داخل الأحزاب، وستنشط ديناميكية إبراز الكفاءات الحزبية، وسيقول المواطنون مرحبا بمن فاز من النساء والشباب، لأنهم تفوقوا و”جابوها على ذراعهم” بعيدا عن منطق الريع والمحاباة، و توظيف إمكانات ومؤهلات وكفاءات “خاصة” بعيدة عن سمو الفعل النضالي ..