هل تعود واشنطن إلى إفريقيا عبر بوابة الصحراء المغربية؟
الدار / افتتاحية
نحن على مشارف تحول جوهري في الدور الجيواستراتيجي للمغرب. لقد اقتنعت الولايات المتحدة الأمريكية بأنه يمكن أن يلعب دور المنصة المفتوحة نحو إفريقيا، ويمثل مركزا لانفتاح واشنطن مجددا على القارة السمراء. لا يجب أن نصدق أن كل ما عبرت عنه الولايات المتحدة من دعم لمغربية الصحراء ونيتها افتتاح قنصلية لها بمدينة العيون هو مجرد نتائج وتداعيات لاستئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية. فواشنطن لا يمكن أن تقدم على خطوة تاريخية كهذه إلا إذا ارتبطت بجانب مهم ومؤثر من مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة. لقد كانت الإدارة الأمريكية باستمرار موضع لوم وانتقاد بسبب انسحابها المطلق من القارة الإفريقية لصالح بعض القوى التقليدية مثل فرنسا، أو الصاعدة مثل الصين وروسيا وتركيا.
واليوم وبعد أن بدأت تستعد لتعزيز علاقاتها العسكرية والاقتصادية بشكل وثيق مع المغرب، يمكن القول إن واشنطن تعود إلى القارة السمراء بقوة من المنفذ الغربي الذي كان باستمرار تحت دائرة النفوذ الفرنسي. لكن الدور الذي لعبه المغرب في السنوات الأخيرة من خلال سياسته الإفريقية الخاصة والممنهجة أظهر بجلاء للأمريكيين أن العودة إلى الغرب الإفريقي كفاعلين اقتصاديين وأمنيين ليس أمرا غير ذي قيمة. فالمغرب الذي يدشن طريق التبادل التجاري الحيوي مع إفريقيا عبر معبر الكركرات يقدم لشركائه خدمة تجارية سيكون لها مستقبل زاهر وثمارها ستمتد على مدى السنوات القادمة. هناك وعي عالمي اليوم بأن مستقبل العالم هو القارة السمراء، التي سيصل عدد سكانها ببلوغ عام 2050 ملياري نسمة.
هذا يعني أن وضع الأسس للاستفادة من ثمار هذه السوق الواسعة، يجب أن يبدأ اليوم قبل الغد. يفترض أن تتحسن ظروف عيش سكان القارة السمراء، ليبحثوا مثل بقية سكان العالم، عن منتجات استهلاكية لا حصر لها. سيرغبون في ركوب السيارات، والإقامة بالشقق والفنادق، وشراء الهواتف والأدوية والأغذية. وكل هذه المنتجات هي فرص إنتاجية هائلة للشركات العالمية وللبلدان المصنعة. ومن ثمة فإن كل الطرق اليوم أضحت تؤدي إلى إفريقيا. ومن هنا كانت عبقرية الرهان الملكي على العمق الإفريقي. لقد أدرك الملك محمد السادس مبكرا هذه الحقيقة وراهن عليها، وهاهو المغرب اليوم يجسد حضورا اقتصاديا وسياسيا وروحيا مؤثرا في منطقة الغرب الإفريقي، مع انفتاح محتمل على باقي أجزاء القارة.
ماذا سيجني المغرب إذا من وراء هذه العودة الأمريكية المحتملة؟ إن المغرب ومقاولاته ونسيجه الاقتصادي والاجتماعي هو أكبر مستفيد من هذه العودة، بالنظر إلى أن أرضه ستمثل مصنعا مفتوحا لمختلف المقاولات الراغبة في التصدير نحو إفريقيا، وترغب في الإنتاج وفق شروط تنافسية قوامها السرعة والقرب والفعالية. ومع هذه البنية الصناعية التي ترسخت في السنوات القليلة الماضية، يبدو المغرب اليوم مؤهلا بامتياز لاستقطاب كل المستثمرين العالميين الذين يدركون أهمية السوق الإفريقية في المستقبل، حيث النمو الاقتصادي سيتجاوز العشرة في المائة، وسيمثل رقما قياسيا عالميا. لأجل ذلك فإن الشراكة السياسية والأمنية والعسكرية بين واشنطن والرباط تتعزز اليوم بالمزيد من الاتفاقيات لتمهيد الأرضية نحو هذا الأفق الاقتصادي والتجاري الهائل، الذي ينتظر البلدين ويتوقف على تعاونهما معا.