أوراق الجزائر تتساقط في مواجهة دبلوماسية مغربية هجومية
الدار / افتتاحية
المؤتمر الوزاري الداعم لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية ضربة معلم بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لقد نجح المغرب في حشد تأييد العديد من بلدان العالم لهذا المشروع وبشكل علني في مؤتمر مشهود، تم عقده بشكل رسمي عن بعد. في اللحظة نفسها كانت الدبلوماسية الجزائرية تستغيث في يأس بنصيرتها جنوب إفريقيا التي على ما يبدو تتجه نحو نهج أقل عداء للمغرب في المستقبل القريب. هذان الحدان زادا من عزلة الجزائر، بعد الضربة القاتلة التي تلقتها الجزائر بعد الانتخابات التشريعية في الولايات المتحدة وخسارة أحد أبواقها لمقعده في الكونغريس السيناتور الديمقراطي جيمس أينهوف.
ومن البؤس الجزائري أن ينشغل وزير الخارجية بوقادوم بالبحث عن أي قشة يتعلق بها لمواجهة التقدم المغربي الميداني على الساحة الدبلوماسية، بتزامن مع أزمة سياسية داخلية مفتوحة على المجهول. لكن على ما يبدو فإن هذه الأزمة تلعب لصالح المغرب في هذا التوقيت بالضبط الذي تستعد فيه الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن لتسلم مقاليد السلطة. فالأوضاع السياسية والحقوقية الكارثية التي راكمتها الجزائر منذ بداية الحراك ستصبح عائقا أمام تطوير العلاقات مع الديمقراطيين الذين يعتبر الملف الحقوقي رهانا من رهاناتهم الجيواستراتيجية في تدبير علاقاتهم الخارجية.
نقصد هنا أن الجزائر التي تبحث بأي شكل من الأشكال عن معاكسة الوحدة الترابية للمغرب، من الصعب أن تجد مدخلا دبلوماسيا مقنعا لبايدن من أجل دفعه إلى التراجع عن قرار دونالد ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء. من سيتولى هذه المهمة؟ هل هم ضباط الجيش أم السفراء الذين هم أيضا ضباط متقاعدون؟ ثم ما الأجوبة التي ستهيئها السلطات الجزائرية بخصوص الانتهاكات الحقوقية واعتقال الصحافيين ومطاردة المعارضين، وقمع الحراك الذي لا يزال مستمرا. هذا يعني أن الجزائر لم تخسر فقط أوراقها على الصعيد الدبلوماسي قاريا ودوليا، بل إنها في وضع لا تحسد عليه حتى على مستوى صورتها في المجال الحقوقي، مما يجعل منها محاميا فاشلا عن قضية مفتعلة. كيف ستقنع الجزائر التي تقمع الحراك الشعبي السلمي الأمريكيين بخرافات دعم تحرر الشعوب وتقرير المصير؟
لا بد إذا في هذا السياق من الإشادة بالخطة الدبلوماسية المحكمة التي نهجها المغرب في الشهور القليلة الماضية، والتي راكمت الكثير من المكتسبات، بافتتاح عشرات القنصليات في الأقاليم الجنوبية، وصدور المرسوم الأمريكي التاريخي المعترف بمغربية الصحراء، والاستعداد لاستقبال قنصليات لدول أكثر تأثيرا ووزنا على الصعيد الدولي في الصحراء. ويأتي المؤتمر الوزاري الدولي كخاتمة ذكية للغاية في هذا المسلسل المتواصل، الذي لا ينبغي بالمناسبة أن يتوقف. فالمغاربة ينتظرون بكل شغف الضربة القاضية التي ستنهي كل الأحلام الانفصالية بشكل رسمي، عندما سيتم تبني خيار الحكم الذاتي كحل وحيد لهذا النزاع، ويتم رسميا إقبار كل المخططات السابقة التي كانت تحاول إنعاش حلم الدويلة الوهمية.
ولا يوجد سياق سياسي ودولي أفضل من هذا الذي نعيشه اليوم. نظام جزائري مفلس ومتهالك مقابل نهج هجومي واستباقي من طرف الدبلوماسية المغربية، إضافة إلى اقتناع دولي متزايد بأن الصحراء المغربية ستكون بوابة العالم نحو إفريقيا، التي يجب تحصينها وبناءها في ظل سيادة دولة قوية تمتلك من التاريخ والمؤسسات والموارد ما يكفي لضمان هذا الانفتاح. فالعالم ليس في حاجة إلى اصطناع دويلة كرتونية جديدة يمكن أن تتحول في أي وقت من الأوقات إلى بؤرة من بؤر الإرهاب والانفلات الأمني، خصوصا على أبواب منطقة الساحل، التي لا تزال بعض القوى الدولية تحاول ضبط استقرارها ومواجهة فلول التنظيمات المتطرفة التي خرجت من رحم الإرهاب الجزائري.