محمد السادس.. ملك يشمر عن ذراعه لمواجهة تحديات الجائحة
الدار / افتتاحية
يعتني جلالة الملك محمد السادس اعتناء بالغاً بالتواصل مع عموم المواطنين. ويحرص باستمرار على تبليغهم بكل القرارات والمبادرات والمستجدات بشكل فعال وهادف ومنظم. هذا ما نستشفه دائماً من البلاغات التي تصدر عن الديوان الملكي لتنوير الرأي العام ووضعه في صورة تطور الأحداث. لكن هذا التواصل المؤسساتي الرسمي، يواكبه باستمرار حرص ملكي على التواصل عبر القدوة والأسوة التي يمثلها شخص الملك، بكل ما له من حظوة ومكانة لدى عموم المغاربة. وقد أظهرت جائحة فيروس كورونا المستجد أن التواصل الملكي أضحى أكثر من أي وقت مضى واقعيا وشخصياً يجسده العاهل برمزية عميقة الدلالات والعبر.
نتذكر جميعا كيف عبر الملك محمد السادس عن رمزية القدوة التي يمثلها عندما أكد لعموم المغاربة في أحد خطاباته أن العناية الطبية التي يقدمها لمواطنيه هي ذاتها التي يحرص على تقديمها لأسرته. واليوم ها هو الملك محمد السادس يعيد بعث دلالة الاقتداء من خلال تلقيه الجرعة الأولى من لقاح كوفيد 19. إن افتتاح الملك لحملة التلقيح الوطنية انطلاقا من شخصه، أكبر تجسيد لهذا التواصل العملي الذي نتحدث عنه. إن هذه الصورة أبلغ من ساعات طويلة من برامج التوعية والتحسيس التي يمكن أن تقدم للجمهور لحثه على التفاعل الإيجابي والإقبال على حملة التلقيح. كما أنها أكثر تأثيرا من كل مشاهد الجدال السياسي التي يتقنها بعض الفرقاء السياسيين، وتضيع من خلالها جهود وطاقات يحتاجها الوطن في هذه الأيام العصيبة.
لكن هذا التواصل بالقدوة ليس وليد اللحظة، إنه إرث ملكي عريق، فقد كان الحسن الثاني رحمه الله، يؤمن بأن السياسة رموز، وكان يمارسها وفقاً لهذا الإيمان، وكانت كل صغيرة وكبيرة في لغته وحركاته ومظهره تحمل رسائل وإشارات هادفة. وإذا ما تأملنا صورة الملك محمد السادس وهو يتلقى أول جرعة من اللقاح، سنجد أنفسنا أمام سيل من الرسائل والدلالات الهامة، الموجهة لكل الأطراف. ويظهر الملك محمد السادس في هذه الصورة وقد شمّر عن ذراعه، بكل ما يعنيه ذلك من استعداد للعمل والاجتهاد لمواجهة كل التحديات والصعاب، وعلى رأسها تلك التي فرضتها جائحة فيروس كورونا المستجد. وهي رسالة موجهة لكل أولئك العدميين المتتبعين للزلات والخطايا، بدلا من التركيز على الجزء المملوء من الكأس.
ويوحي حرص الملك على وضع الكمامة الطبية لحظة تلقيه اللقاح بأن المعركة ضد الوباء لم تنته بعد، وأن انطلاق الحملة التلقيحية لا يعني التساهل في الإجراءات الاحترازية أو تخفيف القيود الصحية. إنها رسالة توعوية لعموم المغاربة المقبلين على تلقي هذا اللقاح حتى يواصلوا التعبئة إلى حين نهاية الكابوس. كما أن بساطة اللباس الذي يرتديه الملك محمد السادس في الصورة تعود بنا إلى تلك الصورة الشعبية التي ارتبطت بشخصه، وجعلته أقرب ملوك الدولة العلوية إلى الناس وإلى يومياتهم ومعيشهم اليومي. كما أن تخفيف بروتوكولات الهندام الملكي بهذه الصورة ينطوي على إشارة قوية مفادها ترتيب الأولويات التي تقتضي اليوم التركيز على الجوهر أكثر من المظهر. والجوهر في هذه الحالة هو حماية صحة المواطنين، وخصوصا من الفئات المهددة، وتحصينهم من احتمالات الإصابة.
هذه الصورة ستبقى للتاريخ، وستشكل لحظة مفصلية في تأريخ هذه الأزمة الصحية غير المسبوقة، باعتبارها نقطة البداية في رحلة المناعة الجماعية المنشودة. كما أنها تعزز بشكل عملي هذا التواصل الملكي المباشر والفعال، الذي يترك أثره السريع بين عموم المواطنين بتلقائيته وصدقه ووطنيته الصارخة. وستظهر الأيام القليلة المقبلة كيف سترتفع درجة التعبئة بين المغاربة استجابة لنداء ملكهم، الذي فضل صحتهم وحمايتهم ضدا على كل الحسابات الاقتصادية والمالية، وهو يعلن عن مجانية اللقاح للجميع.