أخبار الدار

بنعبد القادر: مكافحة الفساد لا تعني التشهير.. وهكذا سيتم إصلاح منظومة الأجور في الوظيفة العمومية (1/2)

الدار/ إعداد وحوار: مريم بوتوراوت – تصوير ومونتاج: ياسين جابر

أكد محمد بنعبد القادر، الوزير المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، على أن الحكومة ماضية في إصلاح نظام الوظيفة العمومية في سبيل الوصول إلى العدالة الأجرية، مدافعا في حواره مع "الدار" عن خيار الحكومة في عدم نشر لوائح الفساد.

  • رغم التطور في مؤشرات ترتيب إدراك الرشوة، هناك من يتهم الحكومة بـ"الفشل" في مكافحة الفساد، كيف ترون ذلك؟

عندما يتعلق الأمر بتقييم السياسات العمومية للحكومة أو للمؤسسات الأخرى، هناك معايير ومقاييس كلها تتوخى النسبية، الفشل بهذا المعنى لا يمكن أن يكون إلا عند نهاية ولاية الحكومة، آنذاك يمكن الحديث عن ذلك وأنها لم تصدر التشريعات ولم تقم بمبادرات ولم تطور المؤشرات إلى غير ذلك.

أعتقد أنه يمكن الحديث عن بطء في الوتيرة أو الحكامة المتعلقة بتدبير السياسات العمومية وفي تعزيز النزاهة في المرفق العام، يمكن أن تكون هناك ملاحظات أو مؤاخذات، لكن لسنا متفقين مع القول بأن هناك فشل، هناك مسار لتطوير الآليات والمبادرات لتعزيز النزاهة والشفافية في المرفق العمومي، مسار طويل جدا، كانت محطة أساسية فيه مع حكومة التناوب مع الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، مع إصدار عدد من القوانين المتعلقة بتدبير الصفقات العمومية، وتبييض الأموال إلى غير ذلك من مظاهر الفساد الكبرى، وبقي المغرب سائرا في هذا المسار إلى دستور 2011 حيث كانت لحظة أقوى، لأنه كرس أحكام وقواعد الحكامة الجيدة وجعل أن الفعل الإداري ينبغي أن يكون قائما على المشروعية أي على القانون، أي أن لا يكون نتيجة خبطة مزاجية لموظف أو مسؤول، وأن يكون مبنيا على حياد الإدارة وتكافؤ الفرص بالنسبة للمواطنين.

بعد ذلك جاءت إجراءات تنزيل هذه المضامين، والاستراتيجية الوطني للفساد هي أيضا مكسب إذن هناك تراكم، فقبل الآن كانت مبادرات قطاعية، اليوم هناك استراتيجية أفقية لا تركز فقط على الجانب الزجري وهذا مهم، قمع الغش والفساد والرشوة مهم، لكن أيضا الجانب الوقائي مهم، فالتجارب الدولية يكون جزء كبير في الجانب القانوني، لفتح الفعل العمومي على المواطنين والشفافية.

الحكومة مأسست آليات تتبع هذه الاستراتيجية لتتبع هذه الاستراتيجية بمساهمة المجتمع المدني، والتي عقدت اجتماعها مؤخرا وقدمت تقريرها، إذن لم يكن انطباع أن هناك فشل، هذا مسار معقد فيه عدة جوانب مجتمعية ثقافية إدارية.

علاوة على ذلك هناك تنزيل قانون الحق في الوصول إلى المعلومة عن طريق تكوين الموظفين في الإدارة المغربية المعنيين بالحق في الوصول إلى المعلومة، اكتشفنا ونحن نهيء لانخراط القطاعات الإدارية والمؤسسات العمومية أننا بصدد تهيئ عدة إدارية ستنقل الإدارة من نموذج مبني على ثقافة السر والكتمان إلى إدارة مفتوحة وتجعل المعلومة التي بحوزتها رهن إشارة المواطنين بضمانات قانونية.

كذلك هناك البوابة الوطنية للشكايات التي شارفت 96 ألف شكاية من يناير الماضي الى الآن، اذن هناك قناة تواصل بين الإدارة والمرتفقين وهناك ثقة  وفعالية، ونحن مستمرون في هذا العمل، والآن هناك اشتغال على نص قانوني لحماية الموظف الذي يبلغ عن الفساد والرشوة.

إذن هناك إرادة سياسية، ولا ينبغي إدراج مسألة محاربة الفساد في نوع من الخصومة بين الإدارة والمجتمع والإدارة والدولة، هذا شأن ليس قطاعيا أو حكوميا ويخص الجميع.

  • لماذا لا تنشر الحكومة لائحة ملفات والمتهمين المتهمة بالفساد المحالة على القضاء؟

يجب أن لا ننسى أمرا مهما، أننا في دولة المؤسسات ودولة القانون، ولا جريمة بدون نص قانوني ولا عقوبة بدون نص قانوني، يجب أن يكون النص هو الذي يعرف النص والجريمة والجنحة، وفي النص القانوني والمرجعية القانونية هناك قرينة البراءة، إذا كانت العقوبة هي مثلا شهر مع وقف التنفيذ، يجب أن تنحصر العقوبة هنا ولا تصل إلى التشهير ، لأن الناس عندهم حقوق وذويهم وأبنائهم، وكم من إشاعة خربت أسرا، وتبين في نهاية المطاف أن ذلك لم يكن صحيحا.

إذن محاربة الفساد تتم في إطار القانون وتطبيقه تطبيقا صارما وجيدا، ولا يكون هناك أي تساهل في الآفلات من العقاب، ولكن ليس بخلفية تشهير بالناس، فإذا الإعلام أو المتهمين يظهر لهم أنه في حالة معينة كان يجب الإعلان فيجب طرح تلك الحالة بعينها، أما أن نبدأ بنشر الأسماء، فهناك حالات معروضة على القضاء وتداولنا في اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد في متابعات لمنتخبين ورؤساء جماعات ومسؤولي مؤسسات وهناك أيضا إدانات.

محاربة الفساد ينبغي أن تكون مؤطرة بقانون وإلا سيتم تسخيره في اتجاهات لا علاقة لها بالنزاهة والشفافية، وستدخلنا في متاهات دخلت فيها بعض الدول صارت فيها محاربة الفساد مجرد وسيلة لتحقيق مآرب أخرى وليس لفرض قيم النزاهة وفرض احترام القانون، هذا هو الأساس، أما عدم نشر اللوائح أعتقد أن هناك معطيات لدى مختلف الجهات والمؤسسات المعنية لتتبع والفصل في قضايا الفساد.

  • اتهمتكم المعارضة بتوزيع المناصب العليا بين أحزاب الأغلبية، ماهو ردكم؟

فعلا في الفترة الأخيرة كانت هناك تساؤلات، في مجلس النواب والمستشارين أجبت عن بعضها، وهناك مبادرات تدخل في إطار الدور الطبيعي لمؤسسة الرقابة، وضعنا جميع المعطيات رهن إشارة ممثلي الأمة، وأنا كنت حريصا على توضيح مسألة أن الدستور من ضمن قواعد الحكامة الجيدة التي جاء بها هناك مسألة التعيين في المناصب العليا، وهذه التعيينات يجب أن تحتكم إلى مسطرة شفافة ونزيهة وفيها المساواة وتكافؤ الفرص، هذا هو المبدأ، لكن في تنفيذ المبدأ هناك تفاوت بين القطاعات في مدى تفعيله، على اعتبار أن هناك لحظتين في تفعيل القاعدة يتم تأويلها بكيفيات مختلفة وتخلق تساؤلات، هي لحظة الإعلان عن فتح المنصب تعطي فيها مواصفاته وهنا يمكن أن نقترب أو نبتعد من القاعدة الدستورية في ما يتعلق بالمساواة.

هناك أيضا لحظة تفعيل اللجنة، هناك مؤاخذات وتساؤلات واستفسارات، يسجلها الكثير من الفاعلين ربما أنها غير كافية أو لها طابع شكلي وغير ذلك.

نحن تعهدنا، ربما حتى قبل أن ترتفع الأصوات التي تطرح الموضوع بأن قانون التعيين في المناصب العليا وحتى مرسومه التطبيقي سيتم مراجعتهما حتى نقترب أكثر من المرجعية الدستورية، وهي الشفافية والنزاهة، هذا عمل نحن نتحمله، ونقول أن المسطرة المعتمدة في المرسوم المذكور ربما لا تحقق الفعالية المطلوبة، فنحن تفاديا لكل التباس وقلاقل لدى الرأي العام سنعمل على تعديل القانون والمرسوم المطبق له، لتكون لدينا آلية فعالة ومستقلة للتعين في المناصب العليا، على أساس أن التعيين يجب أن يكون مبنيا على الكفاءة.

  • تتوفر الإدارة على أعداد كبيرة من الموظفين الكبار ذوي الخبرة، ثم لكن لجأت الحكومة إلى توظيف خبراء، هل هذا يعني كبار الأطر فاشلون؟

هذا ربط ميكانيكي غير صحيح، استكشاف الخبرات لمهام معينة هو مهنة، فتدبير الموارد البشرية وتثمين الكفاءات والرأسمال البشري مهنة. صحيح أن هناك خصاص، ليس في مجال الخبرة، لكن في مجال التوظيف، فعند فتح مناصبا التوظيف غالبا لا يكون هناك تصور دقيق حول الحاجيات المطلوبة، فلو كان لنا منظومة معلوماتية لتدبير المناصب كان الوزير قبل أن يعلن عن المناصب نفتح المنظومة ونرى إذا كانت الكفاءة التي يتم البحث عنها موجودة في إدارتك أو في إدارة أخرى في إطار الحركية، دون أن نفتح منصبا جديدا والشخص المطلوب ربما يموت من الملل في منصبه وليست لديه مهام يقوم بها.

هذا في مستوى الإدارة الوسطى أو التنفيذية، لكن في مجال الخبرة صعب أن ندعي بأن كل ما تحتاجه الإدارة المغربية من خبرات هو موجود فيها، أولا ليست هناك منظومة تمكن الوزير من القيام بالتقصي والبحث سواء في الإدارة المركزية أو اللاممركزة، نظرا لأنه يكون مقبلا على إنجاز مهمة دقيقة جدا وفي مرحلة محدودة، يكون محتاجا غلى خبير في مجال معين.

وأود الإشارة هنا إلى أنه ليست هذه الحكومة التي بدأن التعاقد، بل الحكومة السابقة، نحن فقط وضعنا الآليات التنفيذ مرسوم التعاقد.

ورغم كل ما أثير حول هذا الموضوع، لحد الآن هناك ثلاثة خبراء متعاقدين في الوظيفة العمومية كاملة، وهناك وزراء فتحوا التباري لتوظيف خبير في هذا المجال لم ينجح أحد، لأن الخبير الذي تتوفر فيه المواصفات المطلوبة مندمج في السوق في القطاع الخاص أو في مؤسسات دولية.

هناك مشكل، فمنظومة الأجور الحالية لا تسمح بتوظيف الخبراء، ولا أتكلم هنا عن الموظفين، هناك موظفون أكفاء وهم السواد الأعظم وينجزون مهامهم بروح من التفاني، نحن نتحدث هنا على الخبرة.

نحتاج خبراء في تخصصات محددة لانجاز مهام محدودة في الزمن، والإدارة مساءلة على جودة الخدمة التي تقدمها، لذلك نلتجئ للخبراء. هذا متنفس للإدارة، ويجب أن تتثبت في رسالة لرئيس الحكومة أن الخبير سينجز مهمة ليس لديك من يقوم بها في الوزارة. هناك عدد من الوزراء قدموا طلبات لم تتم الاستجابة لها، إذن الأمور في غاية الصرامة، ومنذ صدور هذا المرسوم في أواخر 2016 هناك تعاقد مع ثلاثة خبراء، وهناك ستة آخرون ما يزالون رهن الإشارة، وهناك من فتحوا المناصب لم يتوفقوا في ايجاد الخبرات المطلوبة.

  • بالنسبة لمنظومة الأجور، كانت هناك وعود منذ الحكومة الماضية لمراجعتها، متى ستتم مراجعتها؟

هذا سؤال مطروح، وقلت بأن تحقيق العدالة الأجرية مرتبط بمنظومة الوظيفة العمومية وليس بمنظومة الأجور، لا يمكن تصحيح منظومة الأجور إلا بتصحيح الاختلالات الكبرى التي تخترق منظومة الوظيفة العمومية في بلادنا لأن هذه منظومة تعج بالفئات والهيئات والدرجات والسلالم التي أصبح مفقودا فيها أي انسجام ، هذا يخلق أزمة مستدامة داخل الوظيفة العمومية، فبالتالي هناك قناعة الآن أنه لا يمكن تحقيق العدالة بالمعنى الدقيق لها، وليس بمعنى تسوية الأوضاع الفئوية، لأنه سنبقى ندور في حلقة مفرغة، بل العدالة بمفهوم التناسب بين المردودية والعمل وما بين الأجر والراتب.

فلا يمكن أن تكون مهام متماثلة يقوم بها موظفان بأجور متفاوتة، بسبب الانتماء لفئتين مختلفتين، إذن لخلق العدالة ما يمكنش نبقاو زيد لهذا ونقص لهذا، يجب إعادة النظر في الوظيفة العمومية وفق هيكلة أخرى، ربما ليست هي الهيئة والإطار والدرجة، وإنما تصور آخر يمكن أن يكون أكثر فعالية ومرونة وانفتاحا، ونحن بصدد الاشتغال على ذلك.

  • هناك بعض الموظفين الذين يشتكون من عدم منحهم التراخيص اللازمة لمتابعة دراستهم، ما سبب ذلك؟

مسألة التراخيص فيها قليل من الافتعال، هي غير مطروحة أصلان ما هو مطروح أصلا هو تدبير الزمن الإداري، فالموظف له زمن إداري ملزم به، سواء كان في الشباك أو في المكتب أو في الميدان، بماذا سترخص له، بأن يترك منصبه ليكمل دراسته؟ إذن يجب أن يكون هناك تدبير للموضوع، مثلا هناك مؤسسات جامعية فتحت دروسا ليلية وبالتالي فهذا لا يحتاج إلى رخصة، عندما يغادر عمله يمكن أن يشتغل حسب رأيي الشخصي أو يتابع دراسته، فهو لا يحتاج الترخيص.

مسألة الترخيص طرحت لأنه كان هناك نوع من المتابعة حضوريا في الدراسة، آنذاك تخلق متاهة الغياب والحضور والضبط، ومبدأ دستوري يشدد على استمرارية الخدمة العمومية، على حسب المواقع، هناك من ليس عليه ضغط كبير في عمله لوجوده في مكتب خلفي وليس في مكاتب أمامية أو شبابيك استقبال المواطنين، وبالتالي هذا عندو الرخصة يتغيب ولا يترك أي أثر، بينما هناك من هو موجود في الواجهة وعليه ضغط ويستقبل المواطنين.

هنا لا أقول أن الترخيص يجب أن يكون حسب المناصب، هذا سيكون تمييزا بين الموظفين، فاستكمال الدراسة حق، موجود في جميع التجارب الدولية، لذلك حتى المؤسسات الجامعية تتلاءم مع محيطها الإداري والصناعي، هناك جامعات فتحت دروسا في الحصة المسائية أو في فترات معينة، لذلك بعض السادة الوزراء اعتقدوا أنهم غير معنيين بأي ترخيص، لأن الدراسة حق، وعلى الباحث أن يتدبر أمره، وأنا أعتقد أن الأمر لم يعد مطروحا بحدة والجامعات بدأت تقدم عروضا أكاديمية لفئة الموظفين.

  • ماهو تفسيرك لهجرة الأدمغة أطباء ومهندسون كلفوا ملايير التكوين والمقاولة تحتاج اليهم والادارة تحتاج لخبرتهم لكنهم يغادرون..

هذا موضوع ذو حساسية بالغة، فهو يتعلق بالاستثمار في الرأسمال البشري وتكوين أطر تصل إلى درجة عالية من التحصيل والخبرة ويغادرون التراب الوطني، طبعا لا شيء في القانون يمنع المواطنين من أن يبحثوا عن آفاق أفضل وأحسن مما يعرض عليهم، فحتى في الدول الأروبية هناك أطر تهاجر، فهناك حديث عن عولمة التكوينات.

أعتقد أنه يجب أن تكون سياسة لتدبير الموارد البشرية، خاصة "الأدمغة" والموهوبين، فكثير من الدول الصاعدة لها سياسات خاصة بهذه الفئات، للاحتفاظ بهم، وأظن آن الأوان لتكون عندنا سياسة خاصة بهذا الصدد، فلاشيء يمنع بأن يذهب للاشتغال في شركة أو مركز للدراسات، لكن إذا الدولة كانت عندها سياسة لتأمين استقرار هذه الطاقات في بلدهم لتحفيزهم فذلك أفضل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى