أخبار الدار

تحليل إخباري: الحكومة تحت مجهر المحاسبة الملكية

الدار/ رشيد عفيف

لم يحظ ملف من ملفات العمل الحكومي بعناية ومتابعة ملكية خاصة أكثر مما يحظى به برنامج تأهيل عرض التكوين المهني. فبعد جلستي عمل سابقتين عاد الملك محمد السادس إلى متابعة التكليف الحكومي الهادف إلى تجديد الشعب والمناهج البيداغوجية في جلسة عمل خاصة يوم الخميس الماضي. هذا الإشراف الملكي الذي سيتوج بلقاء أخير لعرض مضامين البرنامج يؤكد على إرساء علاقة جديدة بين المؤسسة الملكية والحكومة بدأت ملامحها منذ نهاية احتجاجات الريف وإعلان نتائج التحقيق في المسؤوليات بخصوص مشاريع "الحسيمة منارة المتوسط". هذه العلاقة قوامها المحاسبة والمتابعة عن كثب لكل المشاريع والأوراش التي يتم تكليف الحكومة أو المسؤولين بتنفيذها.

هذا ما يستشف من لهجة بلاغ الديوان الملكي الذي لم يوفر الانتقادات لما تم إنجازه لحد الساعة في برنامج تأهيل عرض التكوين المهني، وكذا من تحديد مهلة أخيرة لتقديم المنتج النهائي لهذا المشروع. في نونبر الماضي لم تكن لهجة بلاغ الديوان الملكي أقل حزما عقب جلسة عمل خصصت لمناقشة هذا البرنامج وكذا مشروع مخطط التسريع الصناعي بجهة سوس. في هذه الجلسة الساخنة تلقى الوزراء المعنيون في قطاعات الصناعة والتكوين المهني نقدا لاذعا بخصوص تعثر المخطط وعن النواقص التي تشوب المشروع المقترح في تأهيل التكوين المهني.

كثافة جلسات العمل الخاصة التي تم عقدها منذ العام الماضي تؤكد هذا الحرص الملكي على مواكبة مباشرة لبعض الملفات الاستراتيجية والحساسة. على رأس هذه الملفات طبعا يأتي ملف التشغيل والتكوين الذي ظهر عقب احتجاجات الريف أنه لم يعد قابلا للتأجيل أو التعثر. ومن الواضح أن الأولويات الملكية تدور كلها حول هذا المكون المجتمعي الحيوي. فاللجنة المكلفة بمشروع تأهيل التكوين المهني تضم في أعضائها مختلف القطاعات الإنتاجية المنوط بها خلق فرص الشغل والثروة. وعلى قدر هذه الأهمية تأتي الانتقادات والملاحظات التي تزايدت منذ 2017 تجاه الطبقة السياسية والإدارة.

في خطابه بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لعيد العرش وجه الملك محمد السادس نقدا لاذعا للطبقة السياسية متسائلا "إذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟". منذ ذلك التاريخ توالت الخطابات الملكية التي تعيد تقييم عمل الإدارة والحياة السياسية والخطاب السياسي. وفي سياقها جاءت دعوة الملك إلى مراجعة النموذج التنموي الذي أثبت فشله، ثم لاحقا جاءت التوصيات الملكية بالتسريع بإصدار قوانين اللاتمركز، ثم بعدها تكليف بمراجعة برامج ومشاريع المخطط الأخضر. هناك نهج واضح منذ سنتين يسعى إلى معالجة الاختلالات وتدارك النواقص التي شابت بعض المشاريع التنموية التي تبين أن المنتخبين أو المسؤولين لا ينجحون دائما في تنزيلها.

هذا الإيقاع الذي دخلته جلسات العمل الخاصة مسعى واضح لتحويل المتابعة للمشاريع والبرامج والأوراش إلى مسألة دورية ومنتظمة. فعندما كلف الملك محمد السادس رئيس الحكومة في أكتوبر الماضي بإعداد مخطط التكوين المهني حدد مهلة ثلاثة أسابيع كأجل لإنجازه. ويوم الخميس الماضي عاد الملك مجددا لتحديد مهلة نهائية لهذا المشروع. وعلى مستوى المضمون هناك خيط ناظم في جلسات العمل هذه ينبئ عن وعي واضح بالأولويات التنموية والاجتماعية التي ينبغي الانكباب عليها. ومن الواضح أيضا أن هناك وعيا بالخصاص المهول في هذا المجال الذي يعيق قدرات المغرب على استقبال المزيد من الاستثمارات والرساميل الأجنبية خصوصا في سياق تشير فيه العديد من التقارير الدولية إلى تحسن التنافسية الوطنية في مجال احتضان الاستثمار وتوفير الشروط الملائمة لنمائه.

وعلى ما يبدو لقد أصبح "التشغيل" هو كلمة السر التي تتحكم في جلسات العمل سواء من خلال القطاعات الممثلة في هذا اللقاء، أو من حيث المعطيات التي تم الوقوف عليها في إطار مناقشة مخطط التكوين المهني. فمن الواضح أن هناك عناية واضحة بالتفاصيل في الملاحظات الملكية عندما تتم الدعوة إلى "اعتماد مقاربة واقعية تحدد، بكيفية صارمة، الأولويات وفقا لحاجيات الاقتصاد الوطني وسوق الشغل، والانتظارات الاجتماعية وتطلعات المغاربة". لكن التوجيهات وحدها ليست ما يفزع الوزراء، فمنذ إعفاء الوزراء المسؤولين عن تعثر مشاريع الحسيمة أصبحت جلسات العمل الخاصة تمثل اختبارا حقيقيا أمام أعضاء الحكومة المطالبين أكثر من أي وقت مضى بربط المسؤولية بالمحاسبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

10 + 19 =

زر الذهاب إلى الأعلى