الملكيات العربية.. واحات الاستقرار الأخيرة
الدار / افتتاحية
ما حدث بالمملكة الأردنية الهاشمية بالأمس من محاولات زعزعة الاستقرار والانقلاب على النظام القائم، فيه تذكير صريح بأن العالم العربي تخترقه مفارقة صارخة، هي أن الأنظمة الرئاسية او الجمهورية أو العسكرية أنظمة هشة ومخترقة نالت منها النزاعات والصراعات إلى درجة أوصلتها إلى مرحلة الدول الفاشلة. نماذج العراق وسوريا وليبيا لا تزال تكشف كل يوم عن مدى العجز الذي شاب قدرات هذه الأنظمة تاريخيا في مسألة انتزاع الشرعية الضامنة للبقاء والنماء والأمن. تمكن السلطات الاردنية من كشف خيوط المؤامرة والتصدي لها بشكل فعال دليل معاكس على مدى قوة الأنظمة الملكية ومتانة الشرعية التي تتمتع بها.
لقد ظهرت هذه المفارقة بجلاء أكثر خلال تجربة الربيع العربي. سرعان ما انهارت الأنظمة الجمهورية أو العسكرية ودخلت في دوامة من العنف والتطاحن الأهلي والطائفي، بينما استطاعت الأنظمة الملكية في المغرب والأردن ودول الخليج العربي احتواء الاحتجاجات في ظل أجواء هادئة بشكل عام. كما أن هذه الأنظمة ظلت بمنأى من الانقسامات أو تنافي المصالح وظلت مؤسساتها العسكرية والأمنية والسياسية تتكلم لغة واحدة. في بلد عريق كمصر مثلا لم يستطع الجيش مسايرة قرارات الرئيس الأسبق حسني مبارك واضطر إلى اتخاذ موقفه الخاص للنجاة بنفسه من الاتهامات التي كانت ستوجه له. وفي سوريا انقسم الجيش إلى شطرين وتفتت فيما بعد إلى ميليشيات وجماعات، ثم انقسم البلد نفسه إلى دويلات. وفي المغرب مثلا كان للشرعية الدستورية والتاريخية والدينية التي تمتلكها المؤسسة الملكية القول الفصل. لم يكن من الممكن أبدا أن نصل في المغرب إلى ما وصلت إليه أنظمة وليدة الأمس في ليبيا وسوريا.
هذه الاعتبارات التي تميز النظام الملكي في المغرب والأردن مثلا تقدم نموذجا يجب تأمله جيدا، لما ينبغي أن يكون عليه التغيير داخل ثقافة عربية ناتجة عن قرون من الفوضى والاستبداد. لقد حان الوقت كي يبرز النموذج الملكي المغربي بشكل واضح كتجربة فريدة للإصلاح الهادئ بعيدا عن القطائع المزعزعة. إنه نموذج قطع مع الدولة البوليسية وكرس ثقافة حقوق الإنسان وعزز التعددية الحزبية والسياسية وحقق التوازن المطلق بين مختلف القوى والسلط، دون الوقوع في فخ الانفلات أو التضييق. لنقلها بصراحة الملكية المغربية والملكية الأردنية تجربتان يحتاج العالم العربي أن يستلهم منهما الكثير من مقومات النجاح والاستقرار. إنهما بلدان لا يمتلكان الكثير من الموارد والثروات لكنهما يخوضان بشكل وتدريجي ثورة تغيير تؤسس لنظام ديمقراطي خالص في المستقبل بأقل كلفة ممكنة.
هل كان من الضروري أن يدفع السوريون أو الليبيون كل تلك الكلفة البشرية والاقتصادية حتى يصلوا لتحقيق الحرية والدينقراطية؟ وما عاشته الأردن بالأمس أكبر دليل على أن هذا النظام يمتلك أيضا تلك المناعة الذاتية التي لا تمتلكها أشباه الجمهوريات والأنظمة العسكرية الأخرى. هذه المناعة الذاتية نابعة أساسا من درجة الولاء الذي يحمله المواطنون ومختلف المؤسسات لرئيس الدولة باعتباره ضمانة الاستقرار والوحدة.
ينبغي الاعتراف بأن للتاريخ والثقافة وطأتهما في العالم العربي. ومحاولة استنساخ تجارب قادمة من بقاع جغرافية وحقب تاريخية أخرى ليس له أي جدوى. لا يمكن اعتبار الثورة الفرنسية أو البلشفية قالبا جاهزا للتنزيل حيثما اتفق. كما أن التجارب العسكرية التي أسست لنهضة دول مثل كوريا الجنوبية أو الصين ليست بالضرورة صالحة لسوريا أو الجزائر. وفي قلب تاريخنا وثقافتنا توجد هذه الأنظمة الملكية المستقرة والموحدة بكل ما لها وما عليها. إنها مختبرات للإصلاح والتغيير لم تحظ بكثير من التأمل خصوصا من أولئك المنظرين الذين كانت أفكارهم بذورا للانتفاضات والثورات ضد أنظمة القمع والاستبداد العربية.