بعيدا عن لمة الأهل في رمضان.. قلوب تقاوم الوحدة بالعلم والعمل
يقول الشاعر الفرنسي ألفونس دو لامارتين “يكفي أن تفتقد شخصا واحدا، لتصير وحيدا في دنيا الناس”. كثيرا ما يتخذ هذا الشخص المفتقد، الحاضر الغائب، الحنون والمعطاء، ملامح الأمومة في أيام وليالي رمضان. “أفتقد لم ة الأهل في رمضان، الجلوس قرب أمي وأهلي، كان اليوم الأول من رمضان صعبا علي جدا هنا”، تقول حياة البريقاع الطالبة الباحثة في علم السياسة التي تمضي الشهر الفضيل بعيدا عن أسرتها.
“لا أشعر بمشاعر الوحدة كثيرا في باقي الأيام، أو نادرا ما تشكل لي هاجسا، لكن في مناسبات مثل هذا الشهر المبارك، أفتقد بشدة جو العائلة وحساء أمي (الحريرة) وأطباقها والدردشة التي تصاحب وجبة الإفطار مع الأقارب، تضيف حياة.
حياة، سليلة مدينة العرائش، ترابط بالعاصمة الرباط منذ مدة لإنجاز بحث تخرجها الذي تقارب فيه العوامل المؤثرة في الحياة الحزبية المغربية. ولجمع مادته وتحريره تحتاج أن تبقى قريبة من فضاءات المعرفة ومراكز الأبحاث ومقار التنظيمات السياسية.
في سنتها الأخيرة بماستر الأداء السياسي والمؤسساتي بكلية السويسي (جامعة محمد الخامس)، تقول حياة ، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنها تقاوم أحاسيس الوحدة باستراق لحظات مشتركة من الفرح وتجاذب أطراف الحديث مع صديقات لها يوجدن بدورهن بالرباط لأسباب تتراوح بين البحث عن تداريب أو الدراسة وتحرير بحوث وأطروحات.
“نحاول كلما سنحت الفرصة أن نفطر معا، نتآزر بيننا ونكسر أجواء الوحدة والصمت التي تعمق من الإحساس بالحزن والحنين إلى الأهل”، تواصل حياة، مشيرة إلى أن شعور “الوحدة قد يعتري الإنسان أحيانا بلا مناسبة، وليس فقط في رمضان، لكني أكافحه بالحركة والعمل وعدم الاستكانة للمشاعر السلبية والجمود”.
سمية أ.، المختصة في الطب العام، والتي تقضي الجزء الأكبر من رمضان لوحدها بحكم عملها بالعاصمة، ترى أن المسألة “مسألة تعود وتبقى رهينة بطبيعة كل فرد وما يرسمه لنفسه من أنشطة وأهداف”، مبرزة أنها ، على المستوى الشخصي ، تتغلب على هذه المشاعر بتركيز جهدها على مهنتها وعلى أنشطة مفيدة وإيجابية.
وتعتبر، في حديث للوكالة أنه “إذا كانت صلات الإنسان بربه قوية، وله أهداف ومشاريع يشتغل عليها يبقى تأثير الوحدة على نفسيته ضعيفا”، منبهة إلى أنه “رغم ذلك، قد يشعر الإنسان بالوحدة حتى وهو محاط بالناس. فالمسألة تتعلق بتدبير الإنسان لتطلعاته وبكثرة الفراغات من عدمها في حياته”.
بشكل مختلف شيئا ما ولافت للانتباه، تدبر مريم .ك.، أستاذة اللغة العربية بالثانوي-التأهيلي، تجربتها مع الوحدة خلال الشهر الفضيل ب”نزعة هجومية”. تصور مريم قصتها مع الوحدة داخل وخارج الشهر الفضيل على أنها قصة نجاح في هزيمة خصم عنيد. “رغم أني أقضي رمضان هذا العام بعيدا عن أسرتي مثل أعوام سابقة، لا أشعر بأي إحساس سلبي من هذا الجانب ولا أشعر بأي شعور بالوحشة”.
تقدم مريم لوكالة المغرب العربي للأنباء الوصفة التي التزمت بها لسنوات لتصل إلى حال اللامبالاة اتجاه خصم نفسي يؤرق الكثيرين. تتسلح مريم بذخيرة من الأنشطة والمشاغل المتلاحقة لضرب الوحدة في مقتل.”في البدء اشتريت مذياعا، أتركه مفتوحا داخل البيت، الصمت هو أول مداخل الوحدة. حين أكون في البيت أشغله، وأنغمس في سلسلة من المهام المتباينة من ترتيب الملابس، إلى الطبخ، إلى تحرير الدروس وتصحيح أوراق الامتحانات”.
“في نهايات الأسبوع، أنضم لزميلات ونقوم بخرجات رياضية أو ننظم رحلات استكشافية لمناطق مختلفة من المغرب في حدود ما هو ممكن بسبب تداعيات الجائحة وقيودها طبعا.” تضيف مريم.
ولا تنهي مريم حديثها لوكالة المغرب العربي للأنباء قبل أن تسر بسبب آخر يجعلها ليس فقط لا تبالي بالوحدة وإنما “تفضل” قضاء شهر رمضان وحيدة على قضائه في بيت العائلة الكبير، سبب “براغماتي” تشرحه بغير قليل من خفة الدم قائلة “على الأقل هنا في بيتي ولوحدي أنا غير مطالبة بأشغال المنزل والمناوشات العائلية حول من حان دوره لغسل الصحون وإعداد السفرة وإيقاظ البقية للسحور”.
المصدر: الدار- وم ع