يستقبل الكتاب المغاربة الشهر الفضيل بطريقتهم الخاصة، لأن انشغالاتهم تختلف عن انشغالات باقي الناس، حيث يستسلم كل واحد منهم لطقوسه الخاصة من خلال تدبير زمن رمضان بما يتناسب مع خططه المعرفية.
فإذا كانت حياة الكتاب كغيرهم من الناس لها من الخصوصيات التي تساير شهر رمضان، فإن الكتابة والقراءة تحضران لديهم دون شك كاستراتيجية لمواصلة المسيرة المعرفية لكل كاتب ، وربما لتوسيع مجالها أو تعميقها.
فهناك من يفضل مزيدا من القراءة عبر النبش في مؤلفات يتم اختيارها عن قصد، وهناك من يتأبط هواجس الكتابة تماشيا مع حساسيته الإبداعية والفنية أو البحثية، وهناك من يجمع بينهما لاعتبارات كثيرة.
ذلك أن ممارسة الكتابة والقراءة بالنسبة للمبدعين والباحثين خلال الأيام العادية تختلف تماما خلال الشهر الفضيل، لأنه يتم التعاطي مع الكلمات والأشياء وحتى الحياة وفق رؤى متشابكة.
وبالنظر لأهمية هذه الممارسة النبيلة بشكل عام، فقد دقق الفيلسوف فرانسيس بيكون (1561 – 1626) في هذا الأمر في قوله، إن ” القراءة تصنع إنسانا كاملا، والمشورة تصنع إنسانا مستعدا، والكتابة تصنع إنسانا دقيقا”.
وحسب ما أسر به الكاتب والجامعي عبد العزيز الرشيدي، فإنه بالرغم من الصعوبة التي تكتنف حياته في رمضان، حيث تقل حركته ويتغير نظامه، مما يجعل الحياة لا تستقيم بالسهولة المعتادة، فإن هناك إمكانات متاحة للقراءة، و”كتب أهتم بها أكثر من غيرها خلال هذا الشهر”.
“أقرأ الروايات على الخصوص” كما قال، وهو ما لا يتيسر لي خلال الشهور الأخرى، “لأنني طوال العام أغرق في قراءات متعددة تحت وطأة الواجب المهني و إكراهات البحث العلمي، لكنني في رمضان أتخفف من سطوة الكتب الرصينة وأبحث لي عن متنفس وسط حديقة الروايات وروائحها العطرة”.
وتابع أنه يقسم الكتابة عادة إلى مرحلتين: مرحلة الكتابة الجنينية ومرحلة الكتابة الواعية، فترتبط الأولى عنده بالتدفق اللاواعي والتداعي الذي يفجر شحنة النص ويبني ملامحه الأولى، بينما ترتبط الثانية بالحذف والتشذيب، والإضافة والنقص والترميم وإعادة الكتابة والتفكير المنهجي.
بيد أنه في رمضان، يضيف الرشيدي، يختار الكتابة الأولى بلا تردد. لأنها لا تتطلب مجهودا كبيرا، ولا تستوجب جلوسا طويلا على الكرسي، “فأقيد النصوص على الورق بالصيغة الأولى، وأنتظر زمنا جديدا لأعيد كتابة النصوص كاملة مكتملة”.
ذلك أن الكتابة والقراءة، ترتبط بطقوس معينة وأزمنة خاصة، وحتى النظرة للعالم، بالنسبة لممارسيها من الكتاب، وهذا ما عبر عنه أحد الكتاب في قوله “إذا كانت الكتابة هي الطريق إلى الشعور بالحرية، فإن أول ما قد يواجهه الكاتب هو الخوف من هذه الحرية، الخوف من مواجهة اللغة، لأن أول منازل الكتابة اللغة”.
ففي المشهد الثقافي المغربي ترتبط القراءة والكتابة ارتباطا وثيقا باللغة وتنوعها، ذلك أن مواجهة اللغة يتخذ أشكالا عديدة، لأن الإنتاج المعرفي وحتى استهلاكه يتم بعدة لغات وفي مستويات وأزمنة متعددة، ولذلك فإن رمضان يعد مجالا زمنيا استثنائيا بالنسبة للعديد من الكتاب، وهو ما عبر عنه بشكل أدق الكاتب في مجالي الرواية والقصة، والباحث في التراث المغربي محمد البوزيدي، حيث قال إن شهر رمضان يعتبر بالنسبة له فضاء زمانيا استثنائيا بامتياز، فإضافة للجوانب الدينية والاجتماعية والصحية التي تستحضر مع الشهر الفضيل، فإن هذا الشهر يعد مجالا خصبا لتنمية وتطوير مجال القراءة والكتابة معا.
وفي الممارسة الفعلية، كما أضاف، فإنه يستحضر رمضان دوما في زمنه السنوي الخاص، إذ يمنح تقليص زمن التفسح الفردي والجماعي والجلوس في المقاهي وقتا إضافيا وآفاقا للقراءة والإبداع.
وتابع في هذا السياق “بالنسبة لي أخصص مطلع كل رمضان، كتبا لتصفحها وتأملها في هذا الشهر الكريم مع الحرص على تنوع مجالاتها واختلاف السنوات الصادرة فيها”، أما الكتابة فطعمها جميل جدا ويمنح الزمن الليلي الشاسع فرصة لتعميقها بشكل كبير.
وقال أيضا “أعتقد أن القراءة والكتابة مترابطتان ومتشابكتان، بل إن إحداهما تستقطب بالضرورة الأخرى.. فقد ينطلق المبدع بكتابة موضوع انطلاقا من قراءة كتاب أو مقال”.
ولفت إلى أن الكتابة قد تضغط حول ملف ما للعودة لمراجع وكتب مختلفة للتعمق في موضوع ومحور مقال ما، وعموما كما قال، لا يفصل بينهما، ويزيد الترابط أكثر في رمضان.
المصدر: الدار– وم ع