وقفات مع القراءات الإسلاموية لظاهرة الإسلاموفوبيا (1/2)
بقلم ✍️ منتصر حمادة
تتوقف هذه الحلقة عند بعض التفاعلات النقدية مع ظاهرة الإسلاموفوبيا، والتي عِوَض أن تساعد المتلقي على قراءة الظاهرة بأبعادها المركبة والمتشابكة، والخاصة بالسياق الغربي والسياق الإسلامي، نجد أنها تساهم في تضليل الصورة والتشويش على المتلقي، المسلم وغير المسلم، لأنها مؤسسة على مرجعية إيديولوجية إسلاموية بالتحديد، وفي مقدمتها الإيديولوجية الإخوانية.
مشكلة المتابعات البحثية والإعلامية المحسوبة على المرجعية الإسلاموية، في معرض نقد الإسلاموفوبيا، كونها تصرف النظر كلياً عن المحدد الإسلاموي الذي يغذي هذه الإسلاموفوبيا، مع تركيز مقصود على باقي المحددات، والحال أنه لا يمكن قراءة ظاهرة مجتمعية ما، دون استحضار مُجمل الأسباب التي أفضت إلي ظهورها، ونعاين هذه المعضلة في المجال البحثي الإخواني أو المحسوب على المرجعية الإخوانية، فالأحرى في المجال الإعلامي، في شقيه التقليدي والعصري، وفي مواقع التواصل الاجتماعي.
وأخذاً بعين الاعتبار الحضور الكبير للخطاب الإسلاموي في المجال الإعلامي والرقمي، سواء في منابر إسلاموية صريحة، أو عبر اختراقات لمنابر إعلامية، إضافة إلى الحضور الكبير في مواقع التواصل الاجتماعي، مقابل غياب الخطاب المضاد الذي يكشف هذه الازدواجية في تناول هذه القضايا الحساسة، فطبيعي حينها أن نعاين تواضعاً بحثياُ بهذه التفاصيل، ونتوقف هنا عند ثلاثة أمثلة تطبيقية، لأنها ذات صلة بالمجال البحثي، الذي يُفترض أن يساهم في التأثير بشكل أو بآخر على صناعة القرار الخاصة بملف الإسلاموفوبيا:
يهم النموذج الثاني مقالة لباحث إخواني، صدرت في مجلة عربية.
ويهم النموذج الثاني عملاً بحثياً صادراً في الساحة العربية، ولكنه محسوب على المرجعية الإخوانية.
وأخيراً، يهم النموذج الثالث، عملاً بحثياً صدر في الساحة الفرنسية، وعن دار نشر فرنسية، ولكن مضامينه ناطقة أو محسوبة على الخطاب الإخواني.
أخذاً بعين الاعتبار الحضور الكبير للخطاب الإسلاموي في المجال الإعلامي والرقمي، سواء في منابر إسلاموية صريحة، أو عبر اختراقات لمنابر إعلامية، إضافة إلى الحضور الكبير في مواقع التواصل الاجتماعي.
ــ نبدأ بالنموذج الأول ويتعلق بمضامين مضامين العدد الأول لمجلة “أواصر” (2017) المحسوبة على الإسلاموية، في النسخة التي يُصطلح عليها “أسلمة المعرفة”، في شقها الإيديولوجي على الخصوص. صحيح هناك أسماء بحثية تنشر في المجلة، لا علاقة لها بالمرجعية الإخوانية، ولكنها قلة، مقارنة مع السائد، وهذا ما تزكيه المرجعية الإيديولوجية للأسماء المغربية المشاركة في المجلة، سواء في إدارة المجلة أو في التحرير، حيث غلبة الحضور الإخواني، إما مع أعضاء ينتمون إلى المَجَرة الإخوانية Galaxie frériste، أو كانوا ينتمون إليها، وعموماً، عاين أنه حتى مع الذي كان ينتمي للمجرة، فإن تحمله مسؤولية تنسيق التحرير، تجعله يولي الأولوية في الاستكتاب للأسماء المحسوبة على المجرة الإيديولوجية التي ينتمي إليها أو كان ينتمي إليها، كما عاينا مع حالة مركز نماء السعودي من قبل، ومع حالة عدة مراكز جديدة في الساحة، من قبيل مركز نهوض الكويتي، أو المجلة المعنية في هذه المقالة، أي مجلة “أواصر”. [مجلة أواصر، جنيف، العدد الأول، صيف 2017.]
فقد تضمن العدد ملفاً حول اليمين المتطرف في الغرب وقضايا الإسلام، ونقرأ ضمن مواد الملف، مساهمة لباحث محسوب على مجرة حركة “التوحيد والإصلاح” وحزب “العدالة والتنمية”، تطرقت لموضوع حول اليمين المتطرف في فرنسا.
وضمن لائحة الأسباب التي اقترحها الباحث والتي تفسر من وجهة نظره صعود اليمين المتطرف في فرنسا، توقف عند ثلاث أسباب، وهي اشتغال اليمين المتطرف على بناء ذاته وتأهيل آلته الانتخابية، دور الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومعضلة انغلاق النسق، مع غياب أي إحالة على المحدد الإسلاموي الخاصة بالظاهرة، والخاص أيضاً بظواهر أخرى، من قبيل الإسلاموفوبيا، وبالكاد كانت هناك إشارة عابرة حول الهجرة المغاربة وارتفاع عدد المساجد، عندما اعتبر أن “التحدي الأمني سيدفع فرنسا، سواء تحت حكم اليمين المتطرف أو فيره، إلى الاستفادة من دور الإسلام والمساجد في مواجهة التطرف”.
اشتغال اليمين المتطرف على بناء ذاته وتأهيل آلته الانتخابية، دور الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومعضلة انغلاق النسق، مع غياب أي إحالة على المحدد الإسلاموي الخاصة بالظاهرة.
والحال أن هذه الإحالة تتطلب التدقيق في طبيعة الخطاب الإسلامي السائد في فرنسا، وهو عدة أنماط من التديّن، منها التديّن الصوفي الذي لا نسمع عنه أي إثارة للمشاكل والقلاقل بالنسبة للفرنسيين، بل لم نسمع قط عن أي مسلم صوفي في فرنسا، متورط في قضايا العنف والتطرف والإرهاب؛
ومن أنماط التديّن أيضاً، نجد جماعة “الدعوة والتبليغ”، التيار السلفي، وهي جماعات توقفنا عندها سابقاً، كما نجد التديّن الإخواني.. إلخ، وهذه أمور غائبة كلية في مساهم الباحث المحسوب على المجرة الإخوانية لاعتبار بَدَهي، مفاده أن الخوض فيها لا يصب في مصلحة مرجعيتهه الإيديولوجية.
ــ نأتي للنموذج الثاني، ويتعلق الأمر بعمل جماعي صدر تحت عنوان: “رُهاب الإسلام: الإسلاموفوبيا. أوراق بحثية”، وتضمن مساهمات مجموعة من الباحثين العرب في أشغال مؤتمر نظم في الدوحة حول الموضوع، مع إشارة تهمنا هنا في هذه الوقفة، جاءت في مقدمة الكتاب، مفادها أن “المؤلفين لهذه البحوث جاءوا من بيئات ثقافية متعددة، ومن مدارس فكرية متنوعة، رغبة منا في استجلاء الظاهرة، وقياماً بدور المؤسسات الثقافية في بناء المعرفة وإثارة الوعي والتواصل البناء بين الثقافات والشعوب”.
تضمن المؤتمر أربعة مداخل لقراءة الظاهرة، وجاءت في الفصول الأربعة للكتاب: مدخل التدقيق في المفهوم، تاريخ الإسلاموفوبيا، المغذيات والمسببات، وأخيراً، نماذج معاصرة في الإسلاموفوبيا، حيث تمّ استعراض بعضها، من قبيل الإسلاموفوبيا في ألمانيا وإيطاليا واليونان.
ما يهمنا هنا في الكتاب، مضامين المحور الثالث بالتحديد، لاعتبارين اثنين:
ــ الأول أن مقدمة الكتاب أكدت أن “المؤلفين لهذه البحوث جاءوا من بيئات ثقافية متعددة، ومن مدارس فكرية متنوعة، رغبة منا في استجلاء الظاهرة”، وبالتالي، ما دمنا إزاء ظاهرة مركبة ومتعددة المداخل، فإنه كلما تعددت المرجعيات الثقافية في قراءتها، كلما اقتربنا، نظرياً على الأقل، من تفسيرها، والبحث عن أجوبة نظرية في مرحلة أولى، وعملية في مرحلة ثانية، من التصدي لها، خاصة أن أحد أهم سؤال لا زال غائباً في قراءة الظاهرة، عنوانه البحث عن أسبابها، لأنه لا يمكن قط اختزال مُجمل تلك الأسباب في سبب واحد دون سواه، هذا أمر مستحيل علمياً وعملياً في آن؛ بل إن الأسباب متعددة حتى في داخل دولة أوربية واحدة، ضمن دول أخرى، فالأحرى مع مُجمل الدول الأوربية أو الدول الغربية، وهذا عينُ ما أكده أول تقرير أوربي صدر حول ظاهرة الإسلاموفوبيا، أي تقرير مؤسسة “رينيميد” البريطانية، وجاء فيه أننا “لا نجد کیاناً نمطياً واحداً لظاهرة الإسلاموفوبيا، وإنما نجد عدة أنماط منها، ولكل منها خصائص مميزة”.
إن الأسباب متعددة حتى في داخل دولة أوربية واحدة، ضمن دول أخرى، فالأحرى مع مُجمل الدول الأوربية أو الدول الغربية، وهذا عينُ ما أكده أول تقرير أوربي صدر حول ظاهرة الإسلاموفوبيا.
ــ أما الاعتبار الثاني، فمرتبط بعنوان هذا المحور، وجاء كالتالي: “المغذيات والمسببات”، بمعنى أنه يُفترض أن يتضمن هذا المحور، وقفات مركبة ومتعددة حول مغذيات ومسببات ظاهرة الإسلاموفوبيا، بدليل إن الحديث عن الأسباب هنا جاء بصيغة الجمع، وليس بصيغة المفرد.
تضمن المحور إذن، ثلاث أوراق بحثية، جاءت عناوينها كالتالي: “من معاداة السامية إلى رهاب الإسلام: التحول الاستراتيجي لليمين الأوربي المتطرف” للباحث النمساوي فريد حافظ؛ “التطرف وأزمة الحداثة” للباحث المغربي علي فاضلي؛ “أثر الصورة النمطية للإسلام في تشكيل الرهاب الغربي” للباحث التونسي عبد الباسط الغابري.
خلصت الورقة البحثية الأولى إلى أن “تحليل عمليات التعاون في مجال تبادل استراتيجيات خطاب رهاب الإسلام وتنظيم الحملات، تكشف وجود سمة مشتركة ضمن معسكر اليمين المتطرف، ليس في أوربا، بل أيضاً عبر الأطلسي في الولايات المتحدة، وفي إسرائيل، لأنه بالنسبة لهؤلاء، انتهت معاداة السامية في المجتمعات الأوربية، والأفكار المعادية للسامية، الوحيدة، التي ما زالت موجودة ويجب أن تُحارب في معاداة السامية الإسلامية التي يتبناها العدو المسلم داخل المجتمعات الأوربية”.
كأننا نقرأ ما جاء في مضامين النموذج الأول أعلاه، أي غياب كلي لأي إحالة على إحدى مسببات رهاب الإسلام في الساحة الأوربية، ومنها الساحة الفرنسية التي توجد فيها أكبر جالية مسلمة في أوربا، مقابل اختزال مُجمل أسباب هذا الرهاب في النزعة اليمينية المتشددة أو المتطرفة السائدة عن بعض أحزاب اليمين الأوربي، أما ما صدر عن مجموعة من حركات إسلامية في الساحة الأوربية، بما في ذلك الاعتداءات التي تسببت في صعود مؤشر هذا الرهاب، فلا نجد له أي أثر قط في المساهمة البحثية، وهذا أمر متوقع، لأن محرر الورقة البحثية، باحث محسوب على المرجعية الإخوانية، واشتهر بنشر تقرير سنوي على الإسلاموفوبيا في النمسا، يتضمن وقفات نقدية ضد منتقدي الإسلاموية في النمسا.
بالنسبة للورقة البحثية الثانية، فقد تضمنت قراءة في موقف الشعوب العربية والإسلامية من التطرف، وعلاقة انتشار مظاهره في الوسط الشباب المسلم بالغرب بأزمة الحداثة، انطلاقاً من أعمال المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما، حيث خلُص محرر الورقة إلى أن “الظاهرة الجهادية في أوربا “لا يمكن إرجاعها للتعاليم الإسلامية، أو للبرامج التعليمية بالدول الإسلامية، أو للمعاهد المتخصصة في الدراسات الإسلامية، بل إن السبب الرئيس وراء التطرف هو الغربة والعزلة التي يحس بها الشباب المسلم بالغرب، بالإضافة إلى الظروف السياسية التي تحيط بالمنطقة العربية وفي مقدمتها العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية”، كأننا إزاء الخطاب التفسيري نفسه الذي يصدر عن أغلب الأقلام البحثية الإخوانية كلما تعلق الأمر بالحديث عن أسباب التطرف العنيف، على أساس أنه لا توجد أي مسؤولية أخلاقية للإسلاموية التي أنتجت أدبيات الجاهلية والحاكمية في ظهور الحركات الإسلامية الجهادية.
كان الأمر مغايراً في الورقة البحثية، حيث كان الكاتب الأقرب إلى التدقيق في الأسباب المغذية لظاهرة الإسلاموفوبيا، في شقها الخاص بالمسلمين، وليس الأسباب الخاصة بها في الشق الخاص بالغربيين، ومرد هذا التميز في الطرح، مرتبط بالمرجعية الثقافية والمعرفية للباحث، لأنه كان شبه حالة خاصة في العمل، بحكم عدم انتماءه إلى مشروع إسلامي حركي، ومن ذلك المشروع الإخواني الذي تشتغل بعض أقلامه على الظاهرة في نسختها الفرنسية.
إحدى النتائج المرتبطة بهذا المحدد الهام ــ أي أن الباحث أخذ مسافة نظرية وتنظيمية من المشروع الإسلامي ــ كونه تطرق في خاتمة الورقة البحثية إلى مجموعة مقترحات، من باب المساهمة في التصدي للإسلاموفوبيا بشكل عام، أحصى منها أربع مقترحات، نذكر منها المقترح الرابع، وجاءت صيغته كالتالي: “يحتاج المسلمون اليوم إلى تقديم نماذج سلوكية جيدة في ممارستهم وتعاملاتهم في ما بينهم أو مع غيرهم. وكلما تقيّد المسلمون بالحكمة والاعتدال والتشدد والرشد، تدعّم الأمل في تقويض الصورة النمطية التي يحملها الغرب عن الإسلام”.
يحتاج المسلمون اليوم إلى تقديم نماذج سلوكية جيدة في ممارستهم وتعاملاتهم في ما بينهم أو مع غيرهم. وكلما تقيّد المسلمون بالحكمة والاعتدال والتشدد والرشد.
ما دام الأمر يتعلق بالإسلاموفوبيا، وما دمنا نتحدث عن الإسلاموفوبيا في نسختها الفرنسية، فإن ترجمة ما جاء في هذه الفقرة، تفيد أن المقصود بـ”النماذج السلوكية الجيدة في الممارسة والتعامل مع المسلمين وغير المسلمين”، تلك النماذج التي تميز تديّن المسلمين البسطاء أو الذين لا علاقة لهم بأي مرجعية إسلامية حركية، لديها مشاكل قبلية مع المسلمين، حتى في الوطن العربي والعالم الإسلامي، فالأحرى في دولة أوربية، بدليل ما تتضمنه أدبيات هذه الجماعات في تعاملها مع المسلمين وغير المسلمين، أقلها خطاب الاستعلاء والأستاذية والازدواجية والجاهلية.
وواضح أن من ينهل من هذه الأدبيات الإسلاموية، سواء في تعامله مع المسلمين أو غير المسلمين، ليس مؤهلاً قط لكي يكون نموذجاً جيداً في الممارسة والتعامل مع المسلمين وغير المسلمين، وأخذاً بعين الاعتبار مرجعية المؤسسة التي نظمت المؤتمر أعلاه، ومرجعية أغلب المشاركين، فإننا لا نجد أي إحالة على معضلة الإسلاموية هذه في مضامين تلك الخلاصة، ولكن القارئ اللبيب، يؤمن بأن الباحث يقصد هؤلاء بالتحديد.
بالنسبة للكتاب الثالث في لائحة الأمثلة الخاصة بقراءة الإسلاميين لظاهرة الإسلاموية، فسوف نتطرق إليه في عرض مطول، من خلال حلقة يوم غد بحول الله.