الأمراني: حكاية التقاعد خدشت الصورة المثالية لـ”ابن كيران”
الدار/ حاوره: رشيد عفيف
يرى غسان الأمراني، الباحث وأستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن عبد الإله بنكيران لا يزال يتصرف كرجل سياسي. ويؤكد أن حكاية التقاعد الاستثنائي الذي تمتع به خدشت نوعا ما صورته المثالية، مؤكدا في الوقت نفسه أن هذا لن يؤثر بالضرورة على نتائج حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة لأن القاعدة الناخبة القارة تظل معبأة باستمرار.
– يلجأ رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران في الأونة الأخيرة إلى ظهور إعلامي مكثف ويقرأ بعض المهتمين في ذلك رغبة في العودة إلى المشهد السياسي. هل تعتقد أن الرجل لا يزال لديه طموح سياسي؟
-يمكن القول أنه ما دام الرجل يخرج إلى الإعلام للتحدث حول قضايا سياسية تهم حزبه والمشهد السياسي الوطني، فإنه لا يزال يتصرف كرجل سياسي. هذا من جهة ومن جهة أخرى تصريحاته لم تكن قاطعة إزاء دوره السياسي في المستقبل، ثم لا ننسى أنه أجبر على نوع من "التقاعد" السياسي، وبالتالي يعتبر أنه بمقدوره لعب دور سياسي خاصة وأن له قاعدة حزبية مهمة.
-في الفترة الأخيرة شغلت حكاية التقاعد الاستثنائي المشهد السياسي هل يمكن أن تؤثر هذه القصة على رصيد الحزب وشعبيته بالنظر إلى أنها ضرب في مصداقيته؟
-منطقيا قضية التقاعد الاستثنائي لابن كيران خدشت نوعا ما صورته المثالية عند فئة مهمة من الناس، لا سيما وأنه طيلة مدة ولايته كرئيس للحكومة، كان يقدم صورة الحزب النظيف والمستقل عن الدولة، وهذا العامل كان محوريا في عدم تأثر الحزب خلال انتخابات 2016 بل زاد من عدد مقاعده.
ولكن طريقة تعامله مع هذا الملف كانت ذكية، إذ خرج إلى الإعلام ليقول أنه لا يمتلك شيئا وأنها منه من الملك وشكره على ذلك، فقدم نفسه كطرف ضعيف يستجلب عطف الناس.
بعلاقة مع شعبية الحزب يمكن أن يكون عرضة لتراجع نسبي في تعاطف شرائح من المجتمع معه وذلك بالنظر إلى استمراره في قيادة الحكومة لولايتين إضافة إلى بعض التسريبات الإعلامية بعلاقة مع سلوكات معينة لقيادييه، ولكن الانتخابات تحكمها عوامل أخرى، ذلك أن الكتلة الناخبة القارة للحزب معبأة دائما وبالتالي لا أتصور أنه سيفقد الرتبة الأولى حتى وإن تراجع على مستوى المقاعد.
-يعتبر بعض المراقبين أن الخرجات الإعلامية المكثفة لبنكيران هي محاولات للخروج من عزلة بدأت تفرض عليه حتى من طرف إخوانه في الحزب والذين أصبحت لهم طموحات سياسية خاصة. هل يمكن أن يؤدي هذا الأمر إلى تفاقم الصراع الداخلي؟
-صحيح أن ابن كيران حوصر من طرف رفاق له في القيادة أي تيار "الاستوزار" الذي غالبا ما يتبرأ من تصريحاته وخرجاته التي تحرجهم وتخلق لهم مشاكل، إلا أنه من الصعب الحديث عن تفاقم كبير للصراع الداخلي، خصوصا وأن القيادة الحالية استطاعت تدبير مرحلة ما بعد ابن كيران وحافظت على الوحدة الداخلية حتى وإن كانت القاعدة ضد توجهاتها، أضف إلى ذلك أن الخلاف داخل الحزب ليس إيديولوجي أو حتى سياسي هو خلاف أشخاص وطريقة تدبير ما بعد 2016، أثبتت أن ابن كيران بوزنه داخل الحزب تم إبعاده دون أن ينفجر الصراع داخله.
-على بعد أقل من سنتين من الانتخابات بدأ الصراع مبكرا حيث تندلع بين الفينة والأخرى حملات تراشق وتبادل للاتهامات بين البيجيدي والأحرار. هل هو استعراض للقوة أم إحساس بخطر الإزاحة في 2021؟
-هي مسألة طبيعية فالعدالة والتنمية يعلم جيدا أن الحزب الذي يمكن ان ينافسه هو التجمع الوطني للأحرار خصوصا بعد الانسحاب السياسي للأصالة والمعاصرة، وكذلك يعتبر بأن هذا الحزب مدعوم من الدولة وأنه قد يزاح من تصدر المشهد السياسي وكذلك الأحرار من خلال مواقفه يعلن أن الخصم الرئيسي في المعركة الانتخابية المقبلة، سيما وأنه يعرف مؤخرا التحاقا لمجموعة من الشخصيات السياسية التي كانت تنتمي إلى أحزاب أخرى وخصوصا الأصالة والمعاصرة.
وهو بذلك يقدم نفسه الحزب المؤهل لقيادة الحكومة المقبلة، حتى وإن كانت فئات واسعة تنظر إليه كتكرار لتجارب سابقة لأحزاب "الإدارة".
– هناك مقابلة إعلامية كثيرا ما يتم استحضارها في المشهد وهي المفارقة بين بين عزيز أخنوش الذي لا يتقاضى أجره، وبنكيران الذي استفاد من التقاعد الاستثنائي، ما دلالاتها والغاية منها؟
– دلالاتها واضحة هي ضرب صورة بنكيران وتلميع صورة أخنوش باعتبار أن الأول كثير الكلام ويستفيد من الدولة أما الثاني فلا يتحدث كثيرا ولا ينتظر شيئا من الدولة والدليل أنه لا يتقاضى أجره وتنازل عنه، غاياتها سياسية بامتياز لأن الجانب الشخصي مهم جدا في السياسة إلا أنه ليس المحدد في المعركة الانتخابية.
من جهة أخرى فإن هذا المعطى يبقى منطقيا بالنسبة لأخنوش باعتباره رجلا ثريا جدا وبالتالي عند عامة الناس عدم تقاضيه الأجرة لا يعطيه شعبية، لأنه لا يجب أن ننسى أن أحد أهم العوامل التي ساهمت في تراجع مصداقية الأحزاب هو اعتمادها على الأعيان ورجال الأعمال، فصورة رجل الأعمال الذي يمارس السياسة لا تلفي ترحيبا عند فئة كبيرة من المواطنين.