أخبار الدار

مفاوضات الصحراء: جزائر مهزوزة وبوليساريو مرتبكة

الدار/ تحليل: رشيد عفيف

في غضون أيام يرتقب أن تلتئم المائدة المستديرة حول الصحراء في جولتها الثانية بجنيف لتضم كل أطراف النزاع المفتعل، وتواصل المجهود الأممي الذي يقوده المبعوث هورست كوهلر. وتأتي هذه الجولة الثانية بعد أيام قليلة من لقاء جمع وفدا مغربيا بالمعبوث الأممي للصحراء هورست كوهلر، أواخر شهر فبراير الماضي، بالعاصمة الفرنسية باريس. وجاء هذا اللقاء التحضيري ضمن جولة المشاورات الثانية التي يقودها كوهلر قبيل انعقاد المائدة المستديرة الثانية.

ويأتي انعقاد المائدة المستديرة الثانية في سياق سياسي مشحون تعرفه المنطقة بعد انطلاق موجة الحراك الشعبي داخل الجزائر ضد العهدة الخامسة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وضد استمرار نظام الجنرالات في مصادرة مقدرات الشعب الجزائري والإجهاز على أحلامه بالديمقراطية والحرية. كما يرتقب أن تنطلق هذه  المباحثات في ظل ارتباك تشهده قيادة البوليساريو بسبب التطورات التي تعرفها الجزائر على الصعيد السياسي. ويستبد قلق كبير بقيادة البوليساريو من احتمال انهيار النظام الجزائري ونهاية حزب جبهة التحرير الذي يعتبر أكبر داعم ومؤيد لأطروحة الانفصاليين.

ورغم استباق الجزائر لموعد المفاوضات المرتقبة برسالة نسبت إلى بوتفليقة من مستشفى جنيف إلي قيادة البوليساريو يؤكد فيها أن الجزائر ستواصل لعب دورها كملاحظ لعملية السلام، إلا أن الموقف السياسي الحرج الذي يعيشه الرئيس المريض وحزبه لا يدفع قيادة الانفصاليين للاطمئنان بتاتا. ويؤكد هذا القلق استمرار الصمت المطبق للجبهة بخصوص التعليق على ما يجري في الجزائر من حراك. ويواصل مئات الآلاف من الجزائريين المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية التي تطالب بإنهاء النظام السياسي القائم وإطلاق الجمهورية الجزائرية الثانية.

وكانت جولة المفاوضات الأولى التي انعقدت في دجنبر الماضي بجنيف قد انتهت في أجواء متفائلة كان من أهم نتائجها الاتفاق على عقد جولة مفاوضات أخرى في الربع الأول من السنة الجارية. لكن المعطى المستجد والذي يهم الداخل الجزائري قد يلقي بظلاله على الجولة المرتقبة إذ من المتوقع أن تعرف بعض المفاجآت والجمود من طرف الانفصاليين الذين يعتمدون أساسا في اتخاذ مواقفهم على الإملاءات الجزائرية. وفي هذا الإطار من غير المستبعد أن تعرف هذه الجولة محاولة لتأجيل مناقشة القضايا الحيوية والهامة التي تهم مستقبل المنطقة وسبل تفعيل مبدأ تقرير المصير.

وفي الوقت نفسه لا يمكن تجاهل بعض المعطيات الميدانية التي يمكن أن تقوي الموقف المغربي. فبالإضافة إلى هذا الارتباك الجزائري المحتمل بسبب الحراك الشعبي الذي رفع بدوره شعار ثروات الجزائر للجزائريين، فإن المغرب يجلس إلى المائدة المستديرة معززا بتطورين هامين شهدتهما الأسابيع الماضية. يتعلق الأول بمصادقة البرلمان الأوروبي قبل أسابيع على اتفاقتي الفلاحة، والصيد البحري، ويهم الثاني مصادقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على الفصل الثالث من الميزانية الأمريكية والتي تسمح بصرف جزء من المساعدات المقدمة للمغرب على الأقاليم الجنوبية للمملكة. هذه التطورات تضع المغرب في موقع قوة وتتيح أمامه هامشا من التفاوض المريح.

هذه المعطيات قد تجعل من طاولة جنيف المستديرة فرصة تاريخية بالنظر إلى أن الخطاب المغربي الموجه للانفصاليين قد يذهب بعيدا في محاولة إغراء القيادة العجوز بضرورة اتخاذ قرار تاريخي واختيار الصف المناسب في التوقيت المناسب قبل أن تؤدي التطورات السياسية في الجزائر إلى نهاية الأطروحة الانفصالية بشكل عملي. ويبلور الوفد المغربي خطابه حول ضرورة التوصل إلى واقعي يرضي جميع الأطراف. هذا الحل يستثني خيار الاستفتاء الذي اعتبره وزير الخارجية ناصر بوريطة عقب جولة جنيف الأولى منتهيا وتم إقباره من طرف الأمم المتحدة نفسها وليس من طرف المغرب، فالهيئة الدولية هي التي تراجعت عن تنظيمه ولم تعد تعتبره خيارا ممكنا وواقعيا، وهذا ما يفسر اعتماد القرار 2440 لمجلس الأمن الذي يؤكد في فقرته الثانية أن الهدف من الطاولة المستديرة هو التوصل إلى حل واقعي وعملي وقائم على التوافق.

وقد يكون من مكتسبات استئناف المفاوضات بعث الروح مجددا في المقترح المغربي الخاص بمبادرة التفاوض حول الحكم الذاتي. هذا المقترح الذي كان في 2007 محركا للعملية السياسية وحافزا على جمع كل الأطراف في مائدة واحدة. ومن المتوقع أن يعد الوفد المغربي طرح هذه المبادرة كأرضية للنقاش في جولة جنيف المقبلة. هذا الاقتراح المتوقع يمكن أن يساعد على التقدم أكثر في مناقشة القضايا الأساسية بعد أن شكلت الجولة الأولى لقاء لجس النبض وبعث الدفء في العملية السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 − سبعة =

زر الذهاب إلى الأعلى