بقلم ✍️ منتصر حمادة
يصعب الخوض في القضية الفلسطينية كلما تعلق الأمر بمحطة من محطاته الصدامية، من قبيل ما عاينا مؤخراً، وإن بدأت الأوضاع تهدأ شيئاً فشيئاً، بعد الشروع في تفعيل وساطات أو إرسال مساعدات، من قبيل المساعدات المغربية، وعوامل أخرى.
وتزداد تلك الصعوبة تعقيداً عندما نأخذ بعين الاعتبار أن أي قول بعيد عن الخطاب الحماسي والعاطفي، فالأحرى الخطاب الإيديولوجي ومعه الخطاب الذي يوظف هذه الأحداث لأغراض محلية أو سياسية أو دينية أو غيرها، يقابل بالاعتراض الذي قد يصل إلى النقد والشيطنة، إن لم نتحدث عن التكفير، أو الاتهام بالعداء للدين، وقد عينا تورط أسماء محسوبة على ما يسمى النخبة الدينية الرسمية، متورطة في هذا المأزق، منها باحث يدير أخد المراكز البحثية التابعة لمؤسسة الرابطة المحمدية للعلماء، من مروجي خطاب الخطاب الإيديولوجية الدينية، كما تشهد على ذلك مضامين تدويناته والمرجعية الإيديولوجية للمتفاعلين معه، استشهد، كغيره من الأسماء، ببعض الإشارات التي تصب في اختزال القضية، وخندقتها دينياً، دون أن يدري، إما عن جهل أو عن قصد، أن هذا الاختزال، يصب في صالح الطرف الآخر، وهذه حكاية أخرى.
الشاهد هنا أن ظروف الساحة في فلسطين، تتميز إجمالاً بتفاعلات صادرة عن صادقين، وأخرى صادرة عن مرتزقة أو تجار قضايا، من قبيل تجار الدين وتجار الفكر وتجار السياسية، إلخ، وعندما تمر هذه السحابة التي ندد بها الجميع، لا مفر حينها من الخوض في العديد من المشاكل التي تعيق تأييد حق الشعب الفلسطيني، وهذا هو الغرض من هذه المقالة، أي الإحالة على بعض هذه القلاقل.
ومعلوم عند المتتبعين، أننا نجد بين المشاكل التي تواجه شعوب المنطقة في التعامل مع قضية القدس ومعها القضية الفلسطينية، هناك معضلة عنوانها الحسم في مجموعة الأسباب المركبة التي أوصلتنا إلى هذا الوضع، مما يكشف عن تناقضات العديد من الشعارات، ولذلك يبقى أضعف الإيمان هو ما نعاينه في مواقع التواصل الاجتماعي، من باب “إبراء الذمة”، وإن لم يسلم من خطاب تزييف الوعي لأنه وليد عقود من الاستثمار في الجهل، ولا زال الأمر كذلك، وفي ما يلي، لائحة أولية ونسبية عن بعض هذه القلاقل التي تتطلب الاشتغال الجماعي، حتى لا نختزل تفاعلات المغاربة وتفاعلات شعوب المغاربة في محدد واحد دون سواه، كما هو الحال مع الخطاب الصادر عن العديد من الأسماء (لا ضير من التذكير بمواقف الداعية يوسف القرضاوي على هامش أحداث الفوضى الخلاقة في ليبيا، حيث “أفتى” بلا أدنى حياء، للقوات الأمريكية بأن تفعل ما تشاء، إن كان الغرض من ذلك إسقاط النظام الليبي، وفعل ذلم على شاشة “الجزيرة”، كما تعامل، هو وغيره من أتباع المشروع الإخواني الذي يمارس التقية، هنا في المغرب والمنطقة، مع “ربيع عربي” حلال في دولة، وحرام في دولة أخرى، ضمن أمثلة أخرى، تفيد أنهم مجرد أدوات وظيفية بين أيدي مشاريع استراتيجية، ويكفي استحضار دلالة مشاركة إخوان المغرب، في مؤتمر كوالالمبور/2019، على سبيل المثال لا الحصر):
ــ نبدأ بواقع التنمية والبحث العلمي والاستثمار في الإنسان، هنا في المنطقة، فنحن متخلفون عملياً حتى مقارنة مع الدول الأوربية التي تبقى متخلفة علمياً عن محور المحور الأمريكي ــ الصيني، وهذا مؤشر واحد على هذا التخلف: حوالي 85 في المائة من الأساتذة الجامعيين بالمغرب، لا ينشرون أي مقالة أو دراسة علمية.
ــ ما دمنا نتفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي، يجب التذكير بأننا أشبه بـ”أرقام رقمية” لدى هذه المؤسسات، وأن المصالح السياسية والأمنية لهذه المواقع، في هذا الملف مثلاً، لا تسمح لنا بالذهاب بعيداً في النقد والاعتراض، ويكفي التذكير أيضاً بالحظر الذي يكون مصير من يفعل ذلك، لأننا نستهلك تقنيات غربية، ولا نملك أي بدائل محلية أو إقليمية، وقس على ذلك أمثلة أخرى.
ــ في مواجهة التحالف الإسرائيلي ــ الغربي، دول المنطقة منخرطة في صراعات لا حصر لها، أقلها فشل مشروع “الاتحاد المغاربي” و”مجلس التعاون الخليجي”، فالأحرى الحديث عن “وحدة عربية”.
ــ أما أهل الشأن الأقرب، أي الصف الفلسطيني، فإننا نعاين انقساماً سياسياً وإيديولوجياً بين حركتي “فتح” و”حماس”، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يصل إلى أن القرار السيادي لحكام الضفة والقطاع، يوجد خارج الضفة والقطاع.
ــ بالنسبة لما كان يسمى محور المقاومة في المنطقة، والذي كان كذلك في حقبة مضت، أصبح خلال العقد الأخير، منخرطاً في صراعات طائفية حقيقية، ويكفي التذكير بصورة حزب الله بين الأمس واليوم، بين حرب 2006 وما بعد 2011، ضمن أمثلة أخرى.
ــ ما دام موضوع التطبيع عاد للأضواء مجدداً على هامش أحداث 2020، كيف لمن يتفاعل مع الموضوع بناء على ثنائية “تطبيع حلال” ــ “تطبيع حرام”، وهم الذين تعاملوا أيضا مع أحداث “الفوضى الخلاقة” انطلاقاً من ثنائية “ربيع حلال” ــ “ربيع حرام”، أن يزايدوا على هذه الشعوب يمارسون عليها الوصاية، وهم مجرد أدوات وظيفية كما سلف الذكر. وضمن هذا النموذج، حالة التناقض السياسوي التي ميزت العديد من قيادي حزب “العدالة والتنمية”، كما جسدت ذلك تفاعل جزء من الرأي العام مع مشاركة بعد رموز هذا التيار في وقفة الدار البيضاء يوم الأحد الماضي، تضامناً مع الشعب الفلسطيني، حيث قوبلت مشاركة هؤلاء باستهجان، بسبب قلة الحياء التي تميز العديد من مواقفهم، ومردها الازدواجية التي تربوا عليها.
ــ لا زال البعض يتحدث عن القضية مستبعداً التضامن الدولي، لأنها قضية دينية طولاً وعرضاً، ويعتبر هذا الخطاب هدية مجانية لخطاب الاحتلال، إضافة إلى أن تقعيده يتطلب من الرموز الفكرية اليهودية التي تدافع عن القضية (تشومسكي، نورمان فلنكشتين.. إلخ)، والمسيحية (اللائحة عريضة) وباقي المرجعيات الدينية وغير الدينية، أن نطلب منها الابتعاد حتى نتفرغ لتسوية القضية، بتشرذم عربي، وصراعات بينية، ومراهقات فكرية، تصفية حسابات، وإيديولوجيات لا تملك قرارها السياسي وتخلف علمي.. إلخ.
ــ ملاحظة أخرى، وهي بيت القصيد في هذا البعث الرقمي وهذه المزايدات والمراهقات: وحده ذلك الشعب الذي يناضل هناك، على أرض الواقع، بالحد الأدنى من الإمكانيات المادية، من يحق له أن يعطينا الدروس في الموضوع، أما هذه الأقلام الدينية والفكرية، وهذه المشاريع، ومعه إعلام الرداءة الذي يمارس الازدواجية، فمن الأفضل لهم جميعاً، أن يتأملوا وجوههم جيداً في المرآة.