افتتاحية الدار.. لماذا يحتقر النظام الجزائري الشرعية الشعبية؟
الدار/ افتتاحية
الانتخابات الجزائرية كشفت بالملموس أن النظام الجزائري لا يريد فعلا من هذا التقليد الديمقراطي شيئا أكثر من الدعاية وتلميع الصورة وإنقاذ ماء الوجه. أكبر دليل على ذلك هو التصريح الأسطوري الذي أطلقه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عندما قال إن نسبة المشاركة ليست مسألة مهمة بالنسبة له ولكن المهم هو تعبير الناس عن آرائهم. وقال تبون في هذا التصريح المثير للجدل “سبق لي وأن صرحت بأن نسبة المشاركة لا تهمني، ما يهمني هو أن من سيفرزهم الصندوق يحوزون الشرعية الشعبية التي تمكنهم غدا من ممارسة السلطة التشريعية”. وبغض النظر عن التناقض الذي ينطوي عليه التصريح بين عدم إيلاء نسبة المشاركة أية أهمية وفي الوقت نفسه الحرص على الشرعية الشعبية، يظهر هذا التصريح حقيقة المرجعية الإيديولوجية والفكرية لرؤوس النظام السياسي.
تقتضي الظرفية السياسية الحرجة التي يمر بها النظام الجزائري بعد أكثر من عام من الحراك الشعبي المطالب بتغيير النظام أن تمثل الانتخابات الحالية فرصة لدفع الأوضاع نحو الاستقرار وإضفاء الشرعية على التغييرات التي تم إجراءها منذ فبراير 2020 في محاولة لمجاراة مطالب الشارع. لكن تصريح تبون الذي يقلل من أهمية نسبة المشاركة جاء خارج سياق واقع التجاذبات السياسية الدائرة في الجزائر. إنه تصريح شبيه بتلك التصريحات التي أطلقها بعض الرؤساء والزعماء العرب عندما تجاوزتهم الأحداث في ثورات الربيع العربي، مثل تصريحات العقيد الليبي معمر القذافي أو الرئيس التونسي زين العابدين بن علي.
لقد كان تبون يتحدث عن نسبة المشاركة قبل ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع وكانت نسبة المشاركة المسجلة لا تتجاوز 14 في المائة، وهي نسبة لا يمكن أن يقول عنها أي مراقب للأوضاع إلا أنها كارثية وتاريخية من حيث رد الفعل الشعبي ضد هذه الانتخابات. لقد بلغت نسبة المشاركة المعلن عنها رسميا في نهاية اليوم حوالي 30 في المائة، وهي نسبة أيضا تعتبر جد متدنية بالمقارنة مع أهمية الانتخابات التشريعية ومع الدعاية التي سبقتها وبالمقارنة أيضا مع العدد الهائل من اللوائح الانتخابية التي تم تقديمها وأعداد المرشحين الكبيرة. لكن تصريحات عبد المجيد تبون تعكس في الواقع اللاشعور السياسي للنظام الجزائري. والمقصود هنا أن الشرعية الشعبية التي تستمدها الأنظمة السياسية من صناديق الاقتراع لا تمثل بالنسبة للنظام العسكري في الجزائر أي أهمية.
بعبارة أخرى لقد عبر تبون عمّا يدور في خلد جنرالات الجزائر، الذين يحرصون على تنظيم الانتخابات لأجل تلميع الصورة لا أقل ولا أكثر، لأن النظام الذي فرض نفسه على الجزائريين منذ 1962 لا يبحث أصلا عن انتزاع شرعية انتخابية، وليس في حاجة إليها، ما دام قادرا على الاستمرار ومصادرة الإرادة الشعبية بقوة الرصاص والهيمنة على مفاصل الدولة الأمنية والاقتصادية والإعلامية. لقد كان أولى بتبون أن يكون أكثر صراحة، ويقول للجمهور إن نظام الجزائر ليس في حاجة إلى شرعيتكم لأنه باقٍ بها أو بدونها. ومن هنا فمن الطبيعي أن نشهد في الأيام القليلة المقبلة تجاهلا تاما للرسالة التي أرسلها الشعب الجزائري لنظامه بعد تجاهله تماما لصناديق الاقتراع.
إن الأنظمة السياسية التي تحترم نفسها وإرادة شعوبها لا يمكن أن تشكل مؤسسات تشريعية وتنفيذية على أساس نسبة مشاركة بهذا التدني، وأولى بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي تحدث عن الشرعية الشعبية التي تمنح للبرلمانيين الحق في التشريع أن يعلن إلغاء نتائج هذا الاقتراع والإعلان عن تنظيم انتخابات جديدة، لأن أي مؤسسة ستبنى على أساس هذه النسبة المتدنية من الأصوات لا يمكنها أن تمثل حقيقة الإرادة الشعبية. قد يكون البرلمان الجزائري المقبل قانونيا بحكم الإجراءات الشكلية التي أدت إلى إفرازه، لكنه لن يكون أبدا برلمانا شرعيا ومشروعا يمكن أن يثق المواطنون الجزائريون في تشريعاته وقوانينه.