منتصر حمادة
مع كل قضية تعرف حضور الإسلاموية في المنطقة، نعاين دخول الإسلاموية المغربية على الخط، لعديد اعتبارات، منها هاجس القواسم الإيديولوجية المشتركة بين هذه الجماعات، ومنها عقلية “نصرة المشروع” على المخالفين، أو الأعداء، أو حتى “المرتدين”، بتعبير فاعل إخواني يقيم في تركيا، يُدعى علاء السيد، ونشر تدوينة مؤخراً، على هامش أحداث تونس هذه الأيام، وجاء فيها بالحرف: “لعل الله تعالى اصطفى الإخوان ليعملوا، فيصيبوا ويخطؤا، ليتصيد المرتدون أخطاءهم، ويبرروا بها حقدهم على الإسلام وأهله، دون أن يكفر.هم أحد ! فاللهم لا تحرم إخواننا أجر ذلك”.
لا يهمنا هنا تفاعل إسلاميي المنطقة، بقدر ما يهمنا تفاعل إسلاميي المغرب، ويمكن تلخيص هذا التفاعل في قاعدة “إخوان مغاربة، لكنهم تونسيون أكثر من التونسيين”.
رُبّ معترض أن هذا التفاعل لا يهم التيار الإسلامي الحركي وحسب هنا في المغرب، وإنما مجموعة من المرجعيات الإيديولوجية، وهذا اعتراض وجيه فعلاً، لكنه ليس بيت القصيد في هذه المقالة، لأنه الحاصل منذ اندلاع هذه الأحداث في تونس أن التفاعل معها كان من قبل الجميع، عامة وخاصة، ومن شتى المرجعيات، وهذا أمر طبيعي، على غرار التفاعل مع أغلب قضايا الساحة البارزة التي تفرض على الجميع إبداء الرأي، بشكل أو بآخر، خاصة أن الثورة الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي تساهم في توسيع دائرة التفاعلات والمتابعات وما إلى ذلك.
ما نقصده هنا أمر مغاير كلياً مع هذا الواقع التفاعلي الذي لا يرتفع، لأننا نتحدث عن تدوينات الأقلام الإسلاموية المغربية مع الحدث، التي تجاوزت التفاعل المنتظر من أغلب المغاربة، أو السائد بشكل عام، مع العديد من المغاربة، كما نعاين ذلك من خلال الإشارات التالية:
ــ إسلاميون، كانوا في فترة “نقاهة رقمية”، أي إنهم ابتعدوا مؤقتاً عن مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن، بين ليلة وضحاها، على هامش اندلاع الأحداث في تونس، عادوا مجدداً للتدوين الرقمي.
ــ إسلاميون آخرون، كانوا حاضرين بوتيرة تدوين عادية أو أقل من المتوسط، ربما بمعدل تدوينة في بضعة أيام، ولكن، على غرار الفئة الأولى، بين ليلة وضحاها، أصبحت وتيرة التفاعل أكبر بكثير، كأننا في حالة استنفار رقمي، ومن الصعب إحصاء هؤلاء، نذكر منهم، قيادي في الدائرة السياسية لجماعة “العدل والإحسان” التي تحلم بما يسمى “دولة الخلافة”، مع أن الشعب التونسي لا يفكر أساساً في هذه الأحلام، والأمر نفسه مع شعوب المنطقة، باستثناء أدبيات “حزب التحرير” وأدبيات هذه الجماعة.
ــ تيار ثالث من الإسلاميين، من الذين كانوا يحررون تدوينات تنتصر أو تقترب من مقام الوسطية واحترام الرأي المخالف، تحولوا فجأة بين ليلة وضحاها إلى نشر تدوينات تتسم بالحدة في الرأي، كأنهم على باب التديّن المتشدد.
ــ تيار رابع، ويضم أقلام المراكز البحثية التابعة أو المحسوبة على الإسلاموية، من قبيل المراكز البحثية في قطر، أو باقي المراكز البحثية التي تمارس التقية، كشفت أيضاً عن الهوى الإيديولوجي الصريح، بعدما كانت تمارس التقية من قبل.
ــ ملاحظة أخرى، تهم ظاهرة سبق أن اشتغلنا عليها في مقالات سابقة، وتهم ظاهرة الإسلاميين سابقاً، وقد أشرنا حينها إلى أن المتديّن الإسلامي الحركي الذي يتحرر من إيديولوجية دينية ما، لا يُفيد أن تحرره التنظيمي، كونه تحرر إيديولوجياً أيضاً، لأن النهل الإيديولوجي، طيلة فترة الانتماء للتنظيم، يترك آثاره على العضو المنفصل عن المشروع، حتى بعد الانفصال، وكلما كانت مدة الانتماء أطول، كلما كانت آثار النهل واضحة عليه، حتى بعد الانفصال، وكلما كانت المعاناة النفسية أكبر موازاة مع ذلك.
في مقال سابق، أوردنا مثالاً عايناه على هامش تفاعل عضو من جماعة “العدل والإحسان” مع الجزء الثاني من مسلسل “الاختيار” (رمضان السنة الجارية)، وكانت تدوينة نقدية، واتضح أن المضمون النقدي نفسه، وجدنا في تدوينة عضو سابق في الجماعة نفسها، ضمن أمثلة أخرى.
ما جرى في الحالة التونسية، في هذه الجزئية الخاصة بتفاعل الإسلاميين سابقاً، تكرّر مرة أخرى، لأنه متوقع مع هؤلاء، بسب بتزييف الوعي باسم الدين الذي تمارسه هذه الإيديولوجيات، ولكن الأدهى هنا، أنه جرى حتى مع الذين يزعمون أنهم يشتغلون في المجال الفكري، والنموذج هنا مع تدوينة عضو مما كان يُصطلح عليه هنا في المغرب بـ”تيار أكادير” التابع لحركة “التوحيد والإصلاح”، الإسلامية الحركية، وهو التيار الذي يضم اليوم مجموعة من الباحثين، بعضهم أخذ مسافة نهاية، تنظيمية وإيديولوجية من المشروع، وهم قلة، وقد يكون أبرزهم الباحث مصطفى تاج الدين، الذي يمتلك شجاعة ممارسة النقد الذاتي، فالأحرى نقد الإيديولوجية الإسلامية الحركية، سواء كانت دعوية أو سياسية أو قتالية.
لكن الأمر مختلف مع باقي الأعضاء، بمن فيهم من يزعم أنه أخذ مسافة تنظيمية وإيديولوجية من التنظيم، ومنهم النموذج الذي نتوقف عنده هنا، ولا تهمنا الأسماء، من فرطها، ويتعلق الأمر بباحث كان محسوباً على هذا التيار، وهو عضو في أحد المراكز البحثية، ولم يتردد في التعامل مع ما جرى في تونس، كونه يندرج في باب الانقلابات، مردداً النقد الإخواني حرفياً، كأنه تونسيٌ أكثر من التونسيين، مع أنه لو اطلع على التفاعلات التونسية، وفي مقدمتها تفاعلات الرأي العام التونسي، الذي تدعو نسبه كبيرة منه إلى تجاوز ثنائية “الغنوشي ــ عبير”، أي الثنائية الإيديولوجية التي جعلت المؤسسة التشريعية هناك خلال السنوات الأخيرة، أشبه بمسرح سياسي، لأعاد النظر في أحكام القيمة الصادرة في تدوينته، وهو الذي يزعم أنه لم يعد إسلامياً حركياً.
لا يمكن لوم هؤلاء على هذه المواقف، ما دام الأمر في نهاية المطاف، يندرج في باب إبداء الرأي، والناس أحرار في الاعتقاد فالأحرى في المواقف السياسية والإيديولوجية، لولا إنه هناك شيء، إسمه تحمل المسؤولية السياسية للإدلاء بهذه المواقف، وهذا ما يغيب عن العديد من أتباع مشروع يربي الأتباع على الازدواجية والتقية ومحددات أخرى، تقف ضمن أسباب أخرى، وراء فشل الظفر بثقة شعوب المنطقة، فالأحرى الظفر بثقة أنظمتها.