موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. إقامة “الدولة الإسلامية” ذريعة المتطرفين لسفك الدماء وتخريب الأوطان
الدار- المحجوب داسع
في بادرة تروم بلورة خطابات أصيلة، و معتدلة، تفكك خطابات التطرف والكراهية والعنف، وتروم تمنيع الناس، وخاصة الشباب من السقوط في براثنها، أصدرت منظمة “الإيسيسكو” الجزء الأول من موسوعة “تفكيك خطاب التطرف”، بتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء.
وتعد هذه الموسوعة استمرارية للدفاتر التي أصدرتها الرابطة المحمدية للعلماء في السنوات الماضية، والتي قدمت مداخل لتمنيع الناشئة والشباب من خطابات التطرف والعنف والمفاصلة، بعد تفكيك عدد من المفاهيم ذات الصبغة الشرعية التي تستند اليها التيارات المتطرفة للدعوة إلى التطرف والكراهية والإرهاب، من قبيل: الجهاد، الجزية، الخلافة الإسلامية، القتال في سبيل الله ونصرة المستضعفين، والحاكمية، وغيرها.
ونظرا لأهمية هذا المنجز العلمي الأكاديمي، في سياق يعرف تنامي خطابات التطرف والإرهاب على الصعيد العالمي، سيلتقي قراء موقع “الدار” يوميا في حلقات ستخصص لمفهوم من المفاهيم التي تتناولها هذه الموسوعة العلمية، أملا في توضيح مدلولاتها، ومعانيها الأصيلة في الكتاب والسنة، واسهاما من الموقع في النهوض برسالته الإعلامية النبيلة الهادفة الى بث معرفة دينية آمنة خالية من الألغام.
مفهوم «الدولة الإسلامية» في الخطابات المتطرفة
يؤكد الدكتور خالد ميار الادريسي، أستاذ باحث بمركز مسارات للدراسات والأبحاث الاستشرافية والمآلية بالرابطة المحمدية للعلماء، ان الجماعات الإرهابية التي تنشد «إقامة الدولة الإسلامية،» ليست في حاجة الى فتاوى لقتل رجال الأمن والشرطة والجيش، فهي متشبعة بفكرة «إدارة التوحش”، كما تعتقد بأن العبور الى مرحلة «الدولة الإسلامية» المتوهمة، لابد ان يتم من خلال تصفية الأنظمة القائمة وازالتها؛ وتطهر المجتمع من «الأوثان المعاصرة» ونشر «التوحيد» وإخضاع الجميع لولاء القيادات «الجهادية”.
وأشار الباحث الجامعي في دراسة في اطار هذه الموسوعة العلمية، الى أن ” هذه التنظيمات الإرهابية، استعملت ولازالت، جميع الأساليب المتاحة في “سوق” الإرهاب، ومن ذلك الخلايا النائمة والدهس والاغتيال والتفجير وتفخيخ السيارات والنهب وسرقة البترول والموارد الطبيعية وأخذ الفدية والتحالف مع المافيا ولا تجد أي حرج في الاخذ من تجارب الحركات الثورية في العالم بالرغم من كونها ليست على دين الإسلام، مما يتعارض مع دعواهم بمنابذة ورفض كل ماهو خارج الخبرة الإسلامية، وليس من السيرة النبوية وتاريخ المسلمين والسلف الصالح.
وأضاف الدكتور خالد ميار الادريسي، أن ” هذا العنف الفائق هو استراتيجية وتكتيك وعقيدة كذلك، بحيث لا مجال للسلم وللصلح، فأدبيات القاعدة وداعش وباقي التنظيمات الإرهابية تعتبر ذلك تراجعا وخزيا”، مشيرا الى أن ” منطق العنف الفائق قائم عند الحركات القتالية إلى حين إقامة «الدولة الإسلامية» وبعدها كذلك. ويتجلى منطق المواجهة العنيفة كذلك، في التعامل مع المخالف عقديا ومذهبيا، فلا مجال للحوار أو إدارة الخلاف وفهم مقتضيات الخلاف، فكل من خالف نهج “الجهاديين” فهو كافر ومرتد، أو خائن هذا قبل إقامة «الدولة» وكذلك بعدها، كما فعلت داعش مع المخالفين لها في العراق.
ويستمر «توحش» الساعين إلى إقامة «الدولة الإسلامية»، يردف الدكتور خالد ميار الادريسي، ” حينما يتم اعتبار الانتماء الوطني أمرا مخالفا للشريعة، بل وثنية جديدة.لذلك اعتبرت داعش الوطنية أمرا مخالفا للعقيدة، لان ارتباط الناس بأوطانهم، يخالف استراتيجية داعش، القائمة على تكفير الحدود وإلغائها واعتبار
كل أقطار العالم الإسلامي، هي «دار داعش،» لأنها أقامت وأعلنت الخلافة الإسلامية. ولا يمكن للانتماء الوطني أن يكون عاملا لنسف وصاية داعش على «دار الإسلام.» ولذا فإن لجوء داعش إلى «العقيدة،» لنسف مقولة الوطنية أو الانتماء الوطني، هو مناورة سياسية لحمل الشباب خصوصا الحالم «بدولة إسلامية،» الى نبذ أوطانهم وفي نفس الوقت تكسير علاقة السلطة بالشعب.
واعتبر الأستاذ بالرابطة المحمدية للعلماء أن دعوى المتطرفين عموما وليس فقط داعش أو القاعدة، والتي مفادها أن الولاء الوطني، وكفر وتنافي الشرع الذي لا يعترف سوى بوطن واحد هو الإسلام، لا ينحصر خطرها في مرتكزاتها الفكرانية الفاسدة وإنما يتعدي ذلك الى تأثيرها على وضع المسلمين وكياناتهم الجيوسياسية”.
وأبرز الدكتور خالد ميار الادريسي أن ” الخطاب الداعشي حول الوطنية، هو المنظور نفسه الذي تتبناه جل التنظيمات والتيارات الإرهابية التي تتبنى «السلفية الجهادية،» فالوطنية «كفر بواح.» وقد ورد في شريط لداعش «هذه عقيدتنا» ما يلي: «ونؤمن أن العلمانية على اختلاف راياتها وتنوع مذاهبها كالقومية والوطنية والعبثية لاهي كفر بواح، مناقض للإسلام ومخرج من الملة.
وشدد الكاتب على أن العالم الإسلامي بكل مكوناته، مطالب بتمثل مقاصد الشريعة الإسلامية والرامية الى تجسيد كافة المسلمين لنبل وسمو القيم الإسلامية، القائمة على السلام مع الذات والعالم والطبيعة”، مبرزا أن ” أصل الدين الإسلامي، هو خدمة الانسان وخلق الله كافة والدعوة الى الاعتقاد بالله الواحد ورسوله المبعوث بالرحمة الى العالمين بالتي هي أحسن، وبالمحبة وجميل المعروف وحسن الخلق. فكل المسلمين يتحملون مسؤولية اتجاه البشرية، للتعريف بمقاصد الدين السامية؛ والمساهمة في بناء مستقبل عالمي انساني، خال من الاستحواذ والهيمنة والبطش.
وأكد على أن ان القضاء على الإرهاب والتطرف، رهين بإصلاح شامل لأوضاع المسلمين، ومن ذلك صياغة سياسات اجتماعية تكفل للجميع كرامة العيش وسياسات تنموية قادرة على التمكين مفهوم” الدولة الإسلامية” في الخطابات المتطرفة: نقد واستشراف للشباب والمرأة وكافة عناصر المجتمع. كما أن هناك حاجة الى إدماج القيم الإسلامية في المنظومة التعليمية والتربوية، لتمكين الأجيال القادمة من ممارسة وسطية ومعتدلة للدين والتمتع بمهارات الانفتاح على الحضارة البشرية، دون اقتلاع للهوية أو ضياع للمحددات الأخلاقية.
كما دعا الدكتور خالد ميار الادريسي جميع المسلمين الى الاسهام وكما كانوا ولازالوا في امداد الحضارة الإنسانية بالعطاء الإسلامي الخالص من كل الرعونات ورغبات التعالي على الخلق”، مشددا على أن ” الإسلام ليس دين بطش وفساد وتعال وقهر وسفك للدماء بغير حق وإنما هو دين رحمة وأمان”.